زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند غداً الخميس إلى تونس، الدولة التي انطلقت منها الثورات العربية تصادف مع أحداث مصر التي تشير إلى فشل الرئيس مرسي و «الإخوان المسلمين» في الحكم في مصر بعد سنة من تسلمهم الرئاسة. إن ثورة تونس كانت دافعاً للشعوب العربية أن تثور من أجل الحرية وضد الفساد ولأوضاع اقتصادية أفضل. فما يحصل في مصر حالياً أن مرسي الذي تم انتخابه من الشعب أخفق في تحقيق أمنيات ثوار مصر الذين أطاحوا بنظام الرئيس حسني مبارك. فمرسي أخفق في التجاوب مع إعطاء الشعب الحريات المطلوبة عبر محاولته لوضع اليد على القضاء وعلى الصحافة، كما أن فشله كان ذريعاً في تحسين اقتصاد بلده على رغم كل ما حصل عليه من مساعدات مالية من الولاياتالمتحدة وقطر. هل ما يحصل في مصر سيكون هذه المرة دافعاً لتشجيع القوى الديموقراطية في تونس لتمنع هيمنة «النهضة» الإسلامية في اتخاذ القرار في تونس؟ إن مما لا شك فيه أن التطورات في البلدين مختلفة ولو أن حزب «النهضة» مهيمن ولكنه مجبر على التعايش مع أحزاب المعارضة. فقد انطلقت جلسات مناقشة مشروع الدستور الجديد بعد سنة ونصف من انتخاب المجلس الوطني التأسيسي بمشاركة نواب المجلس وعدد من ممثلي الجمعيات المدنية الذين ساهموا في صياغته وأيضاً رؤساء الأحزاب السياسية. وقد شهدت الجلسة احتجاجاً في صفوف نواب المعارضة الذين اتهموا المقرر العام للدستور وهو ممثل حزب «النهضة» بأنه قدم نسخة مزورة من الدستور. وعلى رغم ما حصل من توافق بين الأحزاب السياسية حول مشروع الدستور بقيت المعارضة تتحفظ على بعض فصوله. أن ما يحدث في مصر قد يكون حافزاً لتشجيع النهضة على تعايش أفضل مع قوى المعارضة والإدراك أن الثورة في تونس أتت من أجل الحريات والديموقراطية وأنه لا يجوز أن تسيطر «النهضة» والقوى الإسلامية على مجتمع مدني مطالب بالحرية والديموقراطية. إلا أن التخوف كبير من أن الحركات والأحزاب الإسلامية التي هي أكثر تنظيماً من باقي المعارضة الديموقراطية في الشرق الأوسط تتجه دائماً إلى الهيمنة ورغبة سلطوية. وثورة الشعب قامت ضد ذلك في تونس وفي مصر وقائمة في سورية حالياً. أن ما يحدث في مصر يجب أن يكون تنبيهاً قوياً للنهضة بأن المحاسبة الديموقراطية هي الأقوى. ولو تم تنظيم استفتاء في مصر لأظهر أن مرسي فاشل والشعب الذي نزل بالملايين في جميع مدن مصر يصرخ للتغيير ولرحيل الرئيس المنتخب الذي فشل في إدراك تعطش الشعب المصري إلى الحرية والحياة الاقتصادية الأفضل. إن الوضع في تونس يختلف ولكن لا شك أن حزب النهضة وإن كان مجبراً على التعايش يحاول بجميع الطرق أن يهيمن على القرارات الأساسية. أن زيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس مهمة من حيث قرب البلدين والشراكة بينهما وماض مرير مع تأييد جميع رؤساء فرنسا السابقين لبن علي. وتقول الأوساط الفرنسية إن هولاند لا يريد التدخل في إدارة الأمور داخلياً في تونس. إلا أن المطلوب في هذه الظروف أن يشجع القوى الديموقراطية ويعطيها دعماً كبيراً لأنه قلما تنجح الأحزاب الإسلامية في هذه المنطقة ببسط الحكم الديموقراطي. فهي باستمرار تتجه للهيمنة. فمثل العراق وهيمنة المالكي وسلطويته وابتعاده عن الديموقراطية ولبنان حيث «حزب الله» يسيطر على جميع مرافق البلد وعلى القرار الأساسي فيه، كل هذه الأحزاب على اختلاف ظروفها في البلد التي هي فيها تتجه إلى السيطرة والهيمنة وعليها أن تتنبه إلى ضرورة تعايش أفضل وتوازن حقيقي مع الأحزاب المعارضة لأنها في النهاية محكومة ربما على مدى أطول مما حصل في مصر بالرفض من شعوب تتطلع إلى حرية وحياة كريمة فشلت جميع هذه الأحزاب بتوفيرها.