تمثّل الشراكة الإستراتيجية بين شركتي «الإمارات للألومنيوم» (إيمال) و «دبي للألومنيوم» (دوبال)، الحكوميتين المتخصصتين في إنتاج الألومنيوم، والتي أُعلِنت بداية الشهر الحالي، أول شراكة من نوعها في دول مجلس التعاون الخليجي العربي. وستكون الشركة الجديدة المشتركة بين إمارتي أبو ظبي ودبي، خامس أكبر شركة عالمية لإنتاج الألومنيوم وذلك بطاقة إنتاجية تقدر بنحو 2.4 مليون طن سنوياً. وتنتج أكبر شركة للألومنيوم في العالم، وهي «ريو تينتو ألكان» المتعددة الجنسيات، نحو أربعة ملايين طن سنوياً، فيما تنتج رابع أكبر شركة، وهي «تشالكو» الصينية، نحو ثلاثة ملايين طن. وكانت «دوبال» تحتل المركز السابع. وثمة شركة خليجية أخرى تحتل الترتيب التاسع، هي «ألبا» البحرينية المصنفة من أقدم الشركات الخليجية في صناعة الألومنيوم، والمملوكة لحكومة البحرين بنسبة 70 في المئة، والمؤسسة عام 1971، والمالكة لطاقة إنتاجية حالية تساوي 870 ألف طن سنوياً. وتُقدَّر قيمة هذه الشراكة المميزة بين «إيمال» و «دوبال» بنحو 15 بليون دولار. وستخلق الشراكة أكثر من ألفي فرصة عمل جديدة بحلول نهاية عام 2020، تُضاف إلى ستة آلاف و200 وظيفة اليوم، وسيُتاح أكثر من 30 ألف فرصة عمل متاحة مستقبلاً مرتبطة بصناعة الألومنيوم في الإمارات. وواضح أن هذه الشراكة أتت نتيجة لرؤى وأرضيات صلبة وعوامل مشتركة مكنت من الوصول إلى هذا التحالف الإستراتيجي، فلم يعد معقولاً وجود شركتين متجاورتين في الصناعة ذاتها وفي الدولة ذاتها تتنافسان على الزبائن أنفسهم وعلى الأسواق ذاتها، مع فرق شاسع في الطاقة الإنتاجية والخبرات لكل من الشركتين. لذلك كان الحل الأمثل التحالف والشراكة الإستراتيجية، خصوصاً أن القاعدة المشتركة الأعظم هي طموحاتهما الإستراتيجية في التوسع في هذا المجال في مواجهة المنافسة العالمية. وكانت النتيجة ولادة شركة عملاقة باسم «شركة الإمارات العالمية للألومنيوم». تأسست «دوبال» عام 1979، وتبلغ طاقتها الإنتاجية الحالية 1.17 مليون طن سنوياً، فيما تأسست «إيمال» عام 2006. وفيما كانت لدى «دوبال» طموحات بزيادة طاقتها الإنتاجية، كانت في الوقت ذاته بحاجة إلى رأس مال لزيادة طاقتها الإنتاجية وتطوير مشاريعها. ووجدت «إيمال» الفرصة الوحيدة المناسبة بالدخول مباشرة في تطوير صناعتها، خصوصاً أنها تملك رأس المال الذي تحتاجه «دوبال». وتبلورت النظرة والرؤية الإستراتيجية المشتركة والرغبة في منع المنافسة المحلية، خصوصاً أن «إيمال» حديثة وفي بدايتها وتحتاج إلى خبرات وطاقات بشرية محلية متخصصة. وكانت الفرصة مناسبة للاندماج المطلوب لحاجة الاثنتين إحداهما للأخرى. والآن ماذا بعد؟ هل سنشهد شراكات حكومية خليجية أخرى؟ وهل هناك فرص أخرى متاحة؟ وماذا عن شركة «ألبا» البحرينية؟ هل تستطيع البقاء بمفردها أم أن ثمة شراكة أو تحالفاً خليجياً إستراتيجياً آخر؟ أم هل هي مصممة على أن تتوسع بمفردها؟ أم هل ثمة إمكانية لدمجها في التحالف الإماراتي الجديد لتحتل الشراكة الثلاثية المركز الرابع عالمياً في صناعة الألومنيوم؟ تتميز «ألبا» أولاً بطول خبرتها وتميزها بامتلاك مصنع للفحم المكلسن مخصص لتحويل الفحم الحجري أو النباتي إلى منتج ضروري لاستخراج مادة أوكسيد الألومنيوم للحصول على الألومنيوم النقي، وهي تقنية أخرى تمكن الاستفادة القصوى منها مع وجود رأس المال المطلوب. وهي قد تكون فرصة لمستثمرين آخرين من دول خليجية أخرى تحتاج إلى التوسع في هذا المجال أو لخلق كيان جديد. وهذا يقودنا إلى إمكانية إبرام تحالفات ومشاركات خليجية أخرى في صناعات أخرى مثل صناعة الحديد والصلب في البحرين والسعودية وقطر. وقد تكون أيضاً ثمة فرص أخرى لتشكيل تحالف إستراتيجي وأرضية مشتركة للمستقبل بدلاً من التنافس في الأسواق المحلية والخارجية ذاتها وعلى الزبائن أنفسهم ولتطوير هذه الصناعة لتكون أكبر حجماً وتكون قادرة في المستقبل على الاستحواذ على الشركات التي تملك الحديد الخام. وهناك أيضاً قطاع البتروكيماويات الذي يواجه ظروفاً غير سهلة بسبب المنافسة من دخول الغاز الصخري الأميركي إلى الأسواق، ما قلل من إمكانية منافسة الغاز الأميركي الرخيص القابل للاستخدام لقيماً في الصناعات البتروكيماوية. وقد يفرض هذا الوضع ضغط النفقات وتشكيل تحالفات يمكن أن تتوسع في الأسواق الآسيوية بدلاً من التنافس المحلي الخليجي بين «بروج» الإماراتية - الفرنسية و «إيكويت» الكويتية - الأميركية أو بينهما وبين الشركات السعودية والقطرية، الخاصة والحكومية، العاملة في القطاع. هذه الشركات تملك أيضاً أرضيات مشتركة للتحالف الإستراتيجي، تشمل خفض النفقات، والتوسع المحلي والخارجي، وزيادة فرص العمل، وزيادة الطاقة الإنتاجية، علماً بأن الخبرات المحلية متوافرة ورأس المال المطلوب متوافر أيضاً. ولطالما كان وجود شركات خليجية تعمل وتستثمر في المجال ذاته مستنكراً، في مقابل مطالبات بشركة خليجية مشتركة واحدة في كل قطاع. ألم يحن الوقت إذاً لدمج الشركات الخليجية العاملة في قطاع واحد في كيان واحد؟ إن هذا التحالف والرؤية المشتركة اللذين جمعا بين «إيمال» و «دوبال» عبارة عن مثال رائع يحتذى ويفتخر به، هو يحيي الأمل بتطوير الصناعات الخليجية إلى الأفضل والأحسن وبشراكات وتحالفات جديدة بين دول مجلس التعاون الخليجي. كاتب متخصص بشؤون الطاقة - الكويت