أكد عضو هيئة التدريس في جامعة الملك فهد الدكتور مسفر القحطاني أن معظم إنجازات الصحوة «كانت في مجالات مقاومة حملات التغريب، ورد محاولات التشكيك بقيم الإسلام وتعاليمه»، معتبراً أنها «خلال أكثر من ثلاثة عقود قدمت مشاريع رائدة في ذلك»، إلا أنه استدرك قائلاً: «ولكن هذا النتاج جاء في مقابل تجييش المجتمع في خنادق المواجهة لصد تلك الحملات»، كاشفاً عن أن «الصراعات المتكررة والمفتعلة استنزفت كثيراً من طاقات الحركات الإسلامية، وأدت إلى تغول الجانب السياسي على طبيعة أدبيات واهتمامات هذه الحركات، وأصبح الخطاب الآيديولوجي هو المهيمن على تفكير أبنائها، وغابت مسألة النهضة والحضارة عن طبيعة الوظيفة الاجتماعية». وأوضح في ندوة له بعنوان: «سؤال النهضة في أدبيات الخطاب الإسلامي المعاصر مقاربة تجديدية»، أقيمت برعاية المنظمة الإسلامية للثقافة والعلوم (الإسيكسو) حول تجديد الخطاب الديني في معهد ابن سينا التابع لجامعة ليل الفرنسية، أن مشروعات النهضة «هي برامج عمل تقتضي البناء والتغيير مهما كلف الأمر، ولكن بعض التيارات الإسلامية لجأت إلى مبدأ السهولة الذي قال به مالك بن نبي، والذي يجذب أصحاب النوايا الطيبة والفئات المخدرة المستكينة، ومن ثم يستعاض عن متطلبات الحركة بوهج الشعارات وصراخ المطالبات العاجزة بالحقوق والحريات، بحيث يرضى الضمير المسلم بذلك الاشتعال الوقتي، ثم يعود كل شيء كما سبق من دون تغيير». ولفت القحطاني إلى أن «انتهاج طريق التكوين التربوي في الإصلاح مهم على مستوى الصلاح الفردي من دون التغيير المجتمعي الذي يتطلب كل القوى والفئات بقدر مشترك من التوافق العام على الأهداف، وليس على معايير مثالية من الاصطفاء»، معتبراً أن مهمة الإصلاح «تستوجب العمل على أساسات التغيير الثلاث: إصلاح التفكير والتعبير والتدبير، والجانب التربوي يصب في علاج التعبير القولي والعملي بتهذيب النفس والسلوك الإنساني، في مقابل التقصير في علاج مشكلات التفكير العقلي والتدبير المعاشي». وحذر مما اعتبره «تعمد بعض التيارات الإسلامية التخويف والتحذير من الأطروحات الفكرية أو من ممارسات النقد والتقويم الذاتي، مع تهميش متعمد لقضايا الوعي الحضاري والنهضوي»، وعدّ ذلك «نخراً صامتاً داخل بنية التنظيمات قد يؤدي إلى الفناء، لأن حاجة الواقع طاغية على مثاليات الخطاب، ومناقشة تلك المستجدات وبسطها للحوارات المفتوحة في الهواء الطلق ضرورة معاصرة، يستحيل معها إنتاج القوالب الموحدة إلا أن تكون قد تجمدت أو غيبت». وعتب القحطاني في ورقته على الخطاب الإسلامي، «إذ إنه يبحث عن أعداء لأجل التخندق للمواجهة، ظناً منه أن افتعال المعارك يضمن انكفاء الأتباع والجماهير نحوهم، وهذه الركيزة حاضرة عبر التخويف والتحذير من العدو العلماني أو الطائفي أو الإسلامي المتساهل»، مبيناً أن هذه الصراعات «لا تخرج عن التسطيح، بينما عدو الجهل والتخلف والاستبداد واستلاب الهوية و تنمية الوطن، قضايا ثانوية وأحياناً هامشية في خطابهم الإصلاحي». كما وصف الخطاب بأنه «عاطفي في التأثير وسطحي في التحليل»، وهو ما يفسره بأنه سبب في «الافتقار الشديد للمراكز البحثية والدراسات العلمية، والاحتكام المعرفي لمناهج التوثيق والتحليل في رصد الظواهر والتعامل معها».