يرى الشاعر السعودي ضيدان المريخي أن رقعة الساحة الشعبية اتسعت، وأصبح الشاعر يتصرف بقصيدته، فهو المحرر والمسؤول والمخرج والمنتج، وذلك بفضل وجود مواقع التواصل الاجتماعي. وقال المريخي ل«الحياة»: «سبب خروجي من جولات «شاعر المليون» قبل أعوام لم يكن من طريق اللجنة مع تحفظي على معظم أعضائها، وماهية النقد لديهم، وبحسب ما بلغت كان «من فوق»، كون القصيدة التي شاركت بها بعنوان: «أطفال غزة» لم ترق لمسيري المسابقة وتوجهاتهم». وأضاف أن ظهور عدد كبير من الشعراء الشباب أمر متوقع، ولكن يكمن سر الاستمرارية في موهبة كل شاعر، وهناك من يلفت الانتباه ويجبر الأذواق على الانحياز له، وآخرون يختفون أو يبقون في محيطهم القريب.. وفي ما يأتي نص الحوار: ما سبب ابتعاد ضيدان المريخي عن الساحة الشعبية حالياً؟ - الساحة الشعرية اتسعت رقعتها وحالياً أنا قريب منها أكثر من أي وقت مضى، الآن في قنوات التواصل الاجتماعي أنت المحرر والمسؤول ومن يختار الوقت والقصيدة، وأنت المخرج والمنتج. أوافقك الرأي أنني كنت مبتعداً عندما كانت المسؤولية بتصرف غيرنا، أما الآن فأنا أكثر حضوراً ومشاركة، وحالياً الساحة القديمة تستقي موادها من الساحة الجديدة. لماذا الشعراء المعروفون ابتعدوا عن المشهد الشعري؟ - جزء من إجابة السؤال الماضي ينطبق على هذا السؤال، وما أود إضافته أن الشعر لدى الشاعر يمر بمراحل ومنعطفات كالبحث عن الضوء وتكريس الاسم لدى المتلقي، ويتطلب الحضور المتواصل، وبعد تجاوز هذه المرحلة الصعبة بنجاح يبدأ الشاعر الذكي في ترتيب حضوره، لأنه أصبح أكثر مسؤولية من ناحية بناء النص، وأصبح تحت المجهر، ولا يقدم على أي حضور إلا بعد أن ينظر إلى قصيدته من كل الجوانب، وهل أخذت مسافة في الاتجاه المتقدم أو العكس؟ كل هذه الحسابات أجبرت الشاعر الحقيقي على التأني وانتهاج الحضور المقنن. ما تقويمك للشعر الآن مع كثرة وسائل النشر؟ - القصيدة النبطية وحساسية اللغة الشعبية التي تعتمد عليها في البناء مسألة تحتاج إلى موهبة دقيقة في إظهار النص بروح الشعر الشعبي، أحياناً نظن أن تأثير الحياة المدنية قد يلغي أكثر صفات ومقومات النص الشعبي، إلا إنه تظهر كل فترة مجموعة من الأسماء الجميلة التي تحمل راية الشعر الشعبي وتتحدث بلغته وروحه، وتعتبر امتداداً لمن سبقوهم، وقد تظهر معهم أسماء أخرى تختفي بسرعة. تبقى الأسماء المميزة تواصل المحافظة على هوية الشعر الشعبي، وهذا أمر تأكدت منه من خلال متابعة المشهد الشعري الشعبي. شاركت في برنامج «شاعر المليون»، ما الذي كنت تبحث عنه في البرنامج؟ - لا أحد ينكر بأن برنامج «شاعر المليون» في نسخته الأولى أخذ أبعاداً وشهرة مغرية ومحفزة لكل شاعر، ويعتبر ضوءاً إعلامياً طاغياً على حدود الوطن العربي. لن نتحدث عن سياسة البرنامج وما صاحبها من تضاد في الآراء، ولكن سنتحدث عن سؤالك، هناك من شارك للبحث عن للشهرة وآخرون يبحثون عن زيادة الشهرة والمال، ومن الممكن الجزئية الثانية تنطبق علي. كانت مشاركتي كما تعلم في الموسم الثالث، حضرت من خلال نص «أطفال غزة»، إذ كان حضوري متزامناً مع حرب غزة الأولى، ولزاماً علي كشاعر أن أحضر بما يجسد حضور الشعر في مثل هذه الأحداث. القصيدة كان لها حضور قوي، حتى في حرب غزة الأخيرة تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. خروجي من المسابقة لم يكن من طريق اللجنة مع تحفظي على معظم أعضائها وماهية النقد لديهم، وهناك شعراء كثر شاركوا هم أكثر معرفة بالشعر من بعض أعضاء اللجنة شعراً ونقداً وأولوية في الحضور بالمشهد الشعري، ولكن هذه آلية المسابقة، ومن حق البرنامج أن يعمل بما يراه لمصلحته، ولكن للأسف مع الوقت كانت النتائج عكسية. وأعود وأقول إن خروجي وبحسب ما بلغت كان «من فوق»، كون القصيدة لم ترق لمسيري المسابقة وتوجهاتهم. لا أود أن أغفل كرم أشقائنا في الإمارات العربية المتحدة أثناء المشاركة والترتيبات الرائعة في الاستقبال والتوديع والضيافة، وليس غريباً عليهم. القنوات الشعرية ما موقفك منها؟ - غير متابع دقيق لها مع احترامي لكل قناة، ولكن من بين ملاحظاتي أن هناك توجهاً لقناة أو قناتين بعمل منهجية خاصة وشمولية لكل ما يتعلق بالتراث الشعبي بشكل عام من دون تكريس الشعر بحد ذاته بشكل ممل، وهذا أمر طيب ولمصلحة الشعر، ولكن هاجس الربح المادي في هذه القنوات ربما لا يساعد هذه المنهجية في الاستمرار، وهذا حق من حقوقهم، ولكن ليس على حساب الذوق العام. في وطن مترامي الأطراف مثل السعودية وتعدد الثقافات الشعبية، بإمكان أية قناة أن تعمل على هذا الخط لإحداث برامج عدة ومشوقة تدور في فلك رسالة القناة، من دون أن يشعر المتابع بالملل ويحقق عنصر التشويق في أي برنامج، وذلك ما تفتقده في تلك القنوات. ظهور عدد كبير من الشعراء الشباب، هل هو مفيد للشعر أم مضر به؟ - ظهور عدد كبير من الشعراء الشباب أمر متوقع، ولكن يكمن سر الاستمرارية في موهبة كل شاعر، وهناك من يلفت الانتباه ويجبر الأذواق بأن تنحاز له، وآخرون يختفون أو يبقون في محيطهم القريب. الأمسيات الشعرية لماذا لم تعد كما كانت؟ - في السابق كانت نافذة المتلقي للشاعر، أما الآن فإن النوافذ والأبواب تعددت وبإمكان المتابع العثور على شاعره المفضل من خلال رابط يقرأ شاعره كيفما يشاء، ولعل هذا من أهم أسباب عزوف الناس والشعراء عن الأمسيات. المتلقي أصبح أكثر وعياً من قبل، بماذا يخدم ذلك الساحة الشعبية؟ - وعي المتلقي أمر مهم، ما يعني حضور الشعر الحقيقي، ويجعله يفرق بين الغث والسمين. في وقت سابق كان الصوت يخدع المتلقي ويستر القصيدة، والآن الوضع اختلف مع الوعي الذي تتحدث عنه. ما الفرق بين جيلك وجيل الشباب الآن؟ - لا يوجد فارق كبير، بل إن أكثر الشعراء الشباب لديهم تأثر واضح بالأجيال التي سبقتهم، إذ يعتبر ذلك ذكاء لا يجيده أي شاعر، وهو جعل الصلة بين الماضي والحاضر لا تنقطع في سياق القصيدة المعاصرة. لماذا يُتهم الشعراء الشعبيون ب«المهايطية»؟ - عندما يعمد الشاعر إلى «المهايط» كما ذكرت فهو عاجز عن كتابة الشعر المدهش الذي يخلق تفاعل المتلقي معه، ولذلك يتجه إلى أقرب الطرق في التمثيل بالشعر من خلال سياق القصيدة. هناك قناعة لدى البعض بأنك عندما تحضر من خلال قصيدتك مهما كان مستواها فأنت لن تحقق أي انطباع، إذاً لا بد من عمل مسرحي يكمل نقص القصيدة. ما الحلول التي ترى أنها ستعيد وهج الشعر الشعبي؟ - الشعر الآن متوهج، ولكن ما يصاحبه غربلة تحدث كأمر طبيعي، لكن هناك اقتناعاً تاماً بأن الجيد من الشعر المتبقي على مر العصور. أنا معك بأن مساحة ميدان الشعر اتسعت وربما افتقد ميزة المتابعة الدقيقة، ولكن أعود وأجزم بأن أفواه الرواة كفيلة بإيصاله إلى أقصى حد إن بقي بين الإبداع والإدهاش.