حجزت الموالاة والمعارضة في مصر ميادينها أمس بأن حشد كل فريق منها عشرات الآلاف من المتظاهرين للمطالبة ب «احترام شرعية» الرئيس محمد مرسي في مقابل الإصرار على إسقاط نظامه. وعلى رغم أن كل فريق رفع شعار «لا للعنف»، فقد سقط مئات المصابين و4 قتلى في إحصاء أولي لمصادمات اندلعت بين الفرقاء في محافظات الشرقيةوالدقهلية وكفر الشيخ في الدلتا وفي الإسكندرية شمالاً. وأظهرت تظاهرات الأمس التي تحولت اعتصامات بعد المصادمات، أن مصر تواجه خطر «الاقتتال الأهلي» غداً، في يوم قد تحسم مُجرياته مصير حُكم جماعة «الإخوان المسلمين» أو حتى مصير الجماعة ذاتها. واستضاف ميدان «رابعة العدوية» في حي مدينة نصر عشرات الآلاف من أنصار مرسي في تظاهرات «الشرعية خط أحمر» للتأكيد على مناصرة الرئيس والتصدي لدعوات إسقاطه التي تقودها حملة «تمرد» التي قالت إنها جمعت أكثر من 16 مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس. وشارك في التظاهرات أحزاب إسلامية عدة أبرزها «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، و «البناء والتنمية»، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية. ولوحظ تراجع نبرة التهديد والوعيد التي أطلقها أنصار الرئيس ضد معارضيه الجمعة الماضية، وإن ظل الربط بين النظام والإسلام والشريعة وإظهار الخلاف مع المعارضة على أنه عقيدي لا سياسي. ورفعت في تظاهرات الإسلاميين لافتات كُتب عليها «يا عدو الإسلام... الشرعية خط أحمر». ورُددت هتافات من قبيل «إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية» و «حاكم حاكم يا إسلام .. عائد عائد يا قرآن» و «قول ما تخفشي علماني ما يحكمشي» و «يا علماني يا علماني مش هتحكم مصر تاني». واعتصم الإسلاميون في الميدان القريب من قصر الاتحادية الرئاسي الذي يعتزم المعارضون الحشد أمامه غداً والاعتصام لحين تنحي الرئيس. وأنشأوا دورات مياه بدائية ونصبوا خياماً، ما يوحي بأنهم يتوقعون اعتصاماً ممتداً. في المقابل، تظاهر عشرات آلاف المعارضين في ميادين ومدن مختلفة للمطالبة بعزل الرئيس مرسي، وخرجت مسيرات من أحياء متفرقة في القاهرة صوب ميدان التحرير تهتف: «يسقط يسقط حكم المرشد» و «ارحل». ولوحظ أن أهالي مناطق شعبية عدة في أكثر من محافظة استقبلوا مسيرات المعارضة بالتهليل وتضامنوا معها بالزغاريد والهتافات من شرفات المنازل. واحتشد آلاف في ميدان التحرير الذي أُغلق أمام حركة المرور، وحلقت طائرات الجيش فوقه على مسافات منخفضة، واكتظت حديقته المركزية بخيام المعتصمين، وبدأت القوى الثورية نصب منصات في الميدان استعداداً لتظاهرات الغد، فيما نصب عشرات المتظاهرين خياماً بالقرب من قصر الاتحادية استعداداً للاعتصام بدءاً من الغد أمام القصر، وسط إجراءات أمنية مشددة تُشرف عليها قوات الحرس الجمهوري التي أكد قائدها اللواء محمد زكي أنها «لن توجه أي اعتداء على الشعب». وقال إنه «لا ينتظر ولا يتوقع أن يوجه أبناء الشعب المصري أي اعتداء على قوات الحرس الجمهوري»، مشدداً على أن القوات «لن تسمح بمحاولة أية فئة اقتحام القصر الرئاسي». وتظاهر آلاف المعارضين في محافظات الإسكندريةوالدقهلية وكفر الشيخ والشرقية والمنوفية ودمياط وبورسعيد والغربية والبحيرة ومحافظات أخرى. وتحولت غالبية التظاهرات في المحافظات إلى اشتباكات بين الموالاة والمعارضة سقط فيها قتلى ومصابون. وأعلنت وزارة الصحة أن حصيلة ضحايا الاشتباكات التي اندلعت ليلتي الأربعاء والخميس بلغت 4 قتلى، بينهم اثنان سقطا في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية واثنان في محافظة الشرقية، مسقط رأس مرسي، التي شهدت حرق مقرات عدة لجماعة الإخوان، وزاد عدد الجرحى على 500 مصاب، بعضهم في حال خطيرة، إذ أن المصادمات تخللها تبادل إطلاق الرصاص الحي وطلقات الخرطوش بين الجانبين. واشتعلت مدينة الإسكندرية أمس، إذ اشتبك أنصار ومعارضي مرسي أمام مقر رئيسي لجماعة «الإخوان» في منطقة سيدي جابر بعدما خرجت مسيرات عدة من مناطق مختلفة في المدينة للمطالبة ب «رحيل مرسي»، اتجهت جميعها صوب ميدان «سيدي جابر» لحضور مؤتمر جماهيري دعت إليه حملة «تمرد». وما أن بدأت طلائع المسيرات تصل إلى الميدان، إلا واندلعت اشتباكات عزاها شهود عيان إلى إطلاق أنصار للرئيس النار صوب معارضيه، فيما قالت الجماعة إن سببها محاولة المعارضين اقتحام مقر الجماعة الرئيسي في المدينة. واندلعت حرب شوارع بين آلاف المعارضين والمؤيدين للرئيس سقط فيها عشرات المصابين بطلقات نارية وخرطوش، كما استخدمت الحجارة وأسلحة بيضاء في المصادمات التي استمرت ساعات، وتحولت إلى كر وفر في محيط مقر الإخوان الذي حاصره المعارضون ورشقوه بالحجارة، قبل أن تتدخل قوات الشرطة للفصل بين الطرفين عبر إطلاق عشرات من قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود. وبعدما أذاعت قنوات فضائية مشاهد مصورة لقناصة فوق البناية التي تضم مقر الجماعة في الميدان، يصوبون أسلحتهم ناحية المحتجين قبل أن تُحلق طائرات الجيش على ارتفاع منخفض في المنطقة. توجه آلاف المتظاهرين صوب الميدان من مناطق متفرقة، واقتحموا بعد معركة سقط فيها مئات المصابين مقر الجماعة الرئيسي في «سيدي جابر» بعدما كانوا قد حطموا في طريقهم مقراً للجماعة في منطقة «الحضرة»، ووقعت اشتباكات بين المعارضين والموالين أمام مقر سموحة، قبل أن تنتشر المصادمات في محيط مقرات عدة. وباتت مقرات الإخوان ومنازل قيادات الجماعة وحزبها وممتلكاتهم، هدفاً لهجوم محتجين، إذ تكررت وقائع حرق مقرات الإخوان في الشرقية ونهبها، وحطم محتجون متجراً كبيراً يمتلكه نائب المرشد خيرت الشاطر في المنصورة وصيدلية للقيادي الإخواني فريد اسماعيل في الشرقية، وأُحرقت بنايتان في قرية نائية في الغربية يمتلكهما أعضاء في الجماعة، كما اقتحم غاضبون أمس مقراً للجماعة في مدينة بلطيم في محافظة كفر الشيخ وحطموه، ومقراً آخر في مدينة أجا بمحافظة الدقهلية، ومقرين في مدينتي سمنود وبسيون في محافظة الغربية. وانتشرت مساء محاولات اقتحام مقرات الجماعة على نطاق واسع، ما يُنذر بمواجهات دامية بين الفرقاء أمام مقرات الإخوان غداً.