بدت حفلة الفنان اللبناني مارسيل خليفة في حديقة الأزهر بالقاهرة ليل الجمعة - السبت، أقرب ما يكون إلى عملية «استعادة لماضي الفنان في الغناء الملتزم». وتمسك صاحب «أحن إلى خبز أمي» بكل الأغنيات القديمة، مضيفاً إليها نكهة معاصرة بفضل مشاركة ابنيه رامي وبشار اللذين أبهرا الجمهور بعزفهما الذي تواصل عند أعلى نقطة في القاهرة وتحت أضواء قلعة صلاح الدين. الحفلة التي نظمتها مكتبة الاسكندرية، كان من المفترض أن تكون الأولى من حفلتين إحداهما في الاسكندرية، لولا التفجير الإرهابي الذي وقع في سيناء صباح أول من أمس وما رافقه من إجراءات إعلان الحداد الرسمي لثلاثة أيام. وقد هددت الحفلة الثانية بالتأجيل، حسب تصريحات المايسترو هشام جبر مدير مركز الفنون في مكتبة الاسكندرية الذي يسعى لإقناع مارسيل خليفة بالبقاء في مصر حتى انتهاء أيام الحداد وإقامة حفلة الاسكندرية، «تجنباً لخسائر مالية ومعنوية». ونتيجة إدراك حساس لصعوبة الغناء في ليلة محملة بالهموم، أراد خليفة أن تكون إطلالته في القاهرة هادئة ومن دون صخب تراهن على «شحذ الطاقات» والتمسك ببشائر الأمل. لذا بدأ بغناء «يا حادي العيس»، قبل أن يوجه الشكر إلى الجمهور العريض الذي حضر الحفلة واصطف بصورة منتظمة بحيث لم تشهد الحفلة ارتباكات تنظيمية من أي نوع. ووجه صاحب « كونشرتو الأندلس « الشكر لمنظمي الحفلة وخصّ هشام جبر بتحية خاصة، ثم عزف مقطوعة بمصاحبة رامي وبشار أهداها ل «أمهات الشهداء» واعتبرها «صرخة تمثل أصوات جميع شهداء مصر». وطوال الحفلة، فضل خليفة العودة إلى «الريبيرتوار» القديم وغنّى «كانت الحلواية»، وفاجأ الجمهور بقصيدة بعنوان «آخر الليل» على خلفيّة ارتجالات موسيقية، على رغم أنه مازحهم في البداية لافتاً إلى أنها «قطعة من الشعر الملتزم»، لكنها لم تكن ذلك. ومع إعلان استجابته لطلب الجمهور وغناء «أحن إلى خبز أمي»، ووجِه خليفة بالتصفيق الحاد. فعزف من دون مشاركة الولدين، داعياً الجمهور إلى الصمت لأن المكان محاط بشيء من «الدوشة»، في إشارة إلى طابع الحديقة التي استقطبت إضافة إلى جمهور خليفة، عائلات اعتادت التجوال فيها في خريف القاهرة. ومع عودة رامي وبشار إلى المسرح، استأنف خليفة عزف الموسيقى الخالصة وقدم مقطوعة «كريشندو» تحية إلى الشباب الذين وقفوا في الشوارع وهتفوا من أجل الحرية، كما قال. ثم غنى «جواز سفر» واعتذر عن عدم أداء «ريتا» و»أمرّ باسمك»، على رغم مطالبات الجمهور الملحّة. وتساءل هؤلاء عن سر قصر وقت الحفلة، على رغم وعد من مارسيل ب «ليلة طويلة» اختتمها بتأدية أغنية «أهو ده اللي صار» بمصاحبة المطرب المصري محمد محسن الذي دعاه خليفة للصعود إلى المنصبة قبل أن يؤكد محسن سعادته وفخره ب «المشاركة في ليلة استثنائية بصحبة الفنان الكبير». في حين قال خليفة: «شي حلو الواحد يغني ببلد سيد درويش». وشهدت زيارة خليفة مصر حفاوة رسمية وشعبية، إذ استقبله وزير الثقافة المصري جابر عصفور ووجه إليه دعوة رسمية للغناء على مسرح دار الأوبرا المصرية، وطلب من رئيسة دار الاوبرا ايناس عبد الدايم الشروع في اجراءات التنظيم، في حين طلب خليفة الغناء بمصاحبة أوركسترا القاهرة السيمفوني وأفراد الكورال. ووعدت عبد الدايم بالاستجابة لمقترحاته. وكانت مؤسسة «الأهرام» الصحافية رعت مؤتمراً صحافياً للفنان اللبناني تحدث فيه عن تجربته ووجه كلمة جاء فيها: «أصدقائي، لن نتوقف عن المغامرة، وسنراهن بكل ما نملك لابتسامة من البهجة تعم أرجاءنا. نسير وراء أحلامنا لتتأجج الحياة في الألم الصامت، في النور الشاحب، في الدموع الليلية، في الحروب الصغيرة والكبيرة، في العواصف المتفجرة، في مطر الدم، في لون الغروب المرتجف المنبعث من مصباح الزمن، في نصاعة بيضاء، في حرية ملتهبة، في جذوة متقدة، في وردة ألهمت يقينا أنه لا يزال هناك توق إلى الحرية مع هذا العالم ينقذنا ويكنس شظايا الألم». وخاطب الحرية قائلا: «يا «حرية» يا سيدة الألم والفرح والحب، شرّعي نوافذك لنحتفل بك، ونحن ندرك أنك باقية على حبك لنا رغم أخطائنا الفادحة». وختم: «دعوا الحب يعمل. ليس هناك بطل في السباحة، النيل هو البطل الأكبر، فلنتفق مع النهر الخالد في كبريائه».