على خلاف الحال مع سلفه، تتوجه أنظار العالم الى باراك اوباما. فهو محط تقدير العالم وإعجابه. ويبدو أن الرئيس الأميركي الجديد ملم بتشابك المسائل في الشرق الاوسط المضطرب، ويغلب كفة الديبلوماسية على كفة العلميات العسكرية. فهو مؤهل للإسهام في ارساء السلام بالشرق الاوسط، في وقت تجمع مصلحة مشتركة معظم الدول العربية واسرائيل. فالدول العربية البارزة تخشى تمدد النفوذ الايراني أكثر مما تخشى قوة تل أبيب. وقد تذلل الدول هذه خلافاتها مع اسرائيل لتشكيل جبهة دولية موحدة تقف في وجه الطموح الايراني النووي. ولكن هل ثمة مبالغة في القول أن ايلول (سبتمبر) المقبل هو الوقت المناسب لإرساء السلام بالشرق الاوسط؟ فلطالما استقطبت قضية الاراضي المقدسة رؤساء حسبوا أن في وسعهم النجاح في احلال السلام، ولكن الحظ لم يحالفهم. وقد يبدو اللقاء بين بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي، وجورج ميتشل، مبعوث الرئيس الاميركي الى الشرق الاوسط، واعداً. فنتانياهو أعلن أنه ضيّق هوة الخلاف مع أوباما، وهذا طالب اسرائيل بتجميد بناء المستوطنات تجميداً كاملاً. ولكن نتانياهو وافق على تجميد جزئي، وشرح موقفه قائلاً:» قد تُبنى مدرسة أو حضانة أطفال في مستوطنة... ولكننا لن نصادر أو نقتطع اراضي جديدة». وقد يساوم ميتشل مع نتانياهو، ويرضى بصيغة «تجميد بناء المستوطنات والقبول بنموها الطبيعي». ومثل هذه المساومة ليست بشير الخير. ففاتحة عملية السلام ينبغي ألا تكون تراجع الرئيس الاميركي أمام الاسرائيلين. فتراجع أوباما يظهره ضعيفاً لا يقوى على إقناع حليف بالنزول على طلبه. ويرى مراقبون محنكون ومفاوضون سابقون، من أمثال حسين آغا، أن فرص السلام ضئيلة. ولسان حالهم هو التساؤل عن اوجه الخلاف بين كامب ديفيد وأنابوليس، والفرق بينهما. وقد يجيبهم مناصرو مؤتمر السلام المقبل بالقول أن الرئيس الاميركي هو، اليوم، طرف في المفاوضات الى جانب الاسرائيليين والفلسطينيين، على خلاف سلفه جورج بوش الذي لم يتدخل في المفاوضات. ولكن هؤلاء يغفلون أن كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الاميركية السابقة، زارت الشرق الاوسط 17 زيارة في 10 اشهر، وأن الرئيس الاميركي الاسبق، بيل كلينتون، لم يقف موقف المتفرج من المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية. وعلى خلاف ما كان الامر قبل 9 أعوام في مفاوضات كامب ديفيد، ويومها شارك في المفاوضات ايهود باراك الذي انتهج سياسة تؤيد السلام، وياسر عرفات، صاحب النفوذ الكبير في أوساط الفلسطينيين، يشارك في المفاوضات المقبلة نتانياهو، وهو يطعن في الحاجة الى السلام، ومحمود عباس، وشعبيته ضعيفة في اوساط الفلسطينيين. لذا، قد تكون حظوظ نجاح عملية السلام المقبلة ضعيفة. وسبق أن تعهد جورج بوش، في 2003، قيام دولة فلسطينية، في 2005. ففي الشرق الاوسط، تكثر الوعود والمهل والمواعيد الاخيرة.والحق أن الفرق بين مؤتمرات السلام السابقة والمؤتمر المقبل هو مشاركة رئيس أميركي يحظى بشعبية واسعة في العالم الاسلامي والعربي. وبحسب احصاء صحيفة» جيروزاليم بوست»، يرى 6 في المئة من الاسرائيليين فحسب أن أوباما يؤيد اسرائيل وقضاياها. ولذا، قد يكون عسيراً على أوباما اقناع الاسرائيليين بالمساومة وتقديم التنازلات. ويدعو مؤيدو حل الدولتين الى انسحاب اسرائيل الى حدود 1967، ويزعمون أن مثل هذا الانسحاب ينهي النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي. ولكن أصل المشكلة لا يعود الى 1967، بل الى 1948، إذا لم نقل الى العام الاخير من القرن التاسع عشر. وربما وراء فشل محاولات السلام السابقة هو تجنبها مواجهة نواة المشكلة، وهي خسارة الفلسطينيين أرضهم وتحولهم الى أمة لاجئين، وتوق الاسرائيليين الى انشاء دولة يعيشون فيها بعد ألفيتين من العيش في المنفى والهجرة. وعليه، قد يكون اقرار الاسرائيليين بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينين سببها انشاء دولة اسرائيل، وقبول الفلسطينيين الدولة العبرية، السبيل الفعلي الى السلام. معلق، عن «غارديان» البريطانية 25/8/2009، اعداد منال نحاس