تعددت في تونس بعد الثورة المضايقات والمحاكمات التي يتعرض لها عدد من الشباب والناشطين على خليفة أغان أو رسوم جدارية «غرافيتي» تنقل بطرق ساخرة الواقع الاجتماعي والسياسي من وجهة نظر شبابية. وعاشت تونس هذه الأيام على وقع محاكمة مغني الراب الشاب علاء اليعقوبي، الشهير ب «ولد ال 15» بسبب أغنية نعت فيها رجال الأمن ب «الكلاب» فسمّاهم «بوليسية كلاب»، فصدر ضده حكم بالسجن سنتين مع النفاذ العاجل، ما أثار استياء الرأي العام في تونس وأعاد إلى واجهة الأحداث النقاشات في حرية التعبير في البلاد بعد عامين من إطاحة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وعبر عدد من الناشطين الشباب عن رفضهم المطلق لأي شكل من أشكال محاكمة الأعمال الفنية، مشددين على أنهم سيقومون بكل التحركات الميدانية الممكنة من أجل إطلاق سراح المغني «ولد ال 15» ومن أجل رفع القيود عن حرية التعبير والإبداع في تونس. وأكد الناشط الشاب عزيز عمامي ل «الحياة»، أن محاكمة فنان بسبب أغنية يضرب كل المقولات التي تدعي أن الحرية في تونس باتت مضمونة، مضيفاً أنه ليس من حق القضاء وأجهزة الأمن «مراقبة الفن أو تقويم التعبيرات والأغاني الشبابية». واعتبر عزيز عمامي أن التشريعات والقوانين الجاري بها العمل في تونس هدفها «حماية النظام وأجهزته وضرب كل من يخالفه أو ينتقده»، وقال: «القوانين التي تحرم الشباب حقه في التعبير عن واقعه ليست جديرة بالاحترام ولا تلوموا الشباب إذا تمرد على القانون لأن التضييق يولد الانفجار». وعلى رغم أن الأغنية التي سيقضي بسببها «ولد ال 15» سنتين سجناً تضمنت عبارات اعتبرها البعض عنيفة وفيها تحريض على الكراهية والقتل، إلا أن الجميع يجمع على أن الحكم كان قاسياً جداً في حق مغن شاب، بل إن وزراء في الحكومة التي تقودها «حركة النهضة الإسلامية» عبروا عن امتعاضهم من الحكم الصادر، وعبر وزير الثقافة مهدي مبروك (مستقل) وكاتب الدولة للشباب (مستقل) عن موقفهما الرافض للحكم القاضي بسجن المغني، معتبرين أن ذلك يتنافى مع مبادئ الثورة التونسية. واعتبر الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد في حديث إلى «الحياة»، أن هذه الثورة قام بها شباب ومن يحاكمون اليوم من الشباب شاركوا في مجريات الثورة وأحداثها». وقال: «بغض النظر عن الجانب القانوني ينظر إلى هذه المحاكمات على أنها محاكمة للقلب النابض للثورة وانقلاب على الثورة والفاعلين فيها، كخطوة من خطوات الالتفاف على كل مطالبها». محاكمة علاء اليعقوبي أو «ولد ال 15» ليست المحاكمة الأولى من نوعها في تونس بعد الثورة لفنانين شباب، ففي نيسان (أبريل) الماضي قضت محكمة تونسية على الشابين أسامة بوعجيلة وشاهين بالريش بغرامة مالية قيمتها 100 دينار تونسي وذلك بتهمة «الكتابة على عقارات عمومية من دون رخصة» في ما يعرف بقضية «غرافيتي زواولة» في تونس. وإلى اليوم، تنتشر رسوم الغرافيتي التي رسمتها مجموعة «زواولة» (زواولة تعني باللهجة العامية التونسية فقراء) على الجدران في كامل البلاد التونسية منذ العام الماضي، وكلها رسوم وعبارات تتحدث عن معاناة الفقراء وشباب الثورة والمعطلين في البلاد. وأكد أسامة بوعجيلة، أحد المتهمين في قضية «غرافيتي زواولة» أن ما يقومون به ليس تشويها للجدران ولا العقارات العمومية كما يدعي القضاء، بل إن غايتهم هي أن تبقى شعارات الثورة راسخة في عقول المواطنين أينما أداروا وجوههم وفي الوقت نفسه تذكير من يحكم البلاد بأن الشباب الذي قام بالثورة لن يسمح بأن يتم الالتفاف على مكاسبها، وفق قوله. ويعتقد مراقبون للوضع التونسي أن التعامل مع المبدعين والناشطين الشباب لا يرقى إلى مستوى الدور الذي لعبوه في الثورة التي وصفها البعض بأنها «ثورة الشباب من أجل الحرية والكرامة». ويذهب الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد إلى أن «الجهاز القضائي يتعامل مع الشباب المبدع بأقصى درجات التشدد في حين انه يمنح المجرمين والإرهابيين والعنيفين أقصى درجات التخفيف ويدعو للحوار معهم، على رغم أنهم لم يشاركوا في الثورة ويمثلون تهديداً للسلم الاجتماعي». وعلى رغم اتساع هامش الحرية الذي تمتع به الشباب بعد سقوط النظام السابق، إلا أن المحاكمات جعلت حرية التعبير والإبداع في تونس موضع تشكيك، ولم تتوقف التضييقات عند هذا الحد بل شملت أيضا المشاركين في التحركات الاجتماعية المطالبة بالتشغيل والتنمية، وشهدت البلاد أخيراً عشرات المحاكمات لشباب شاركوا في احتجاجات مطلبية.