نظمت جمعية الثقافة والفنون في قاعة عبدالله الشيخ فرع الدمام مساء أمس «الخميس» أمسية للشاعر حبيب محمود حملت عنوان مجموعته الشعرية: «مهد غواية» الصادرة حديثاً، وأدار الأمسية الشاعر محمد الماجد التي قال في تقديمه: «الأنثى والأرض والقرية ثلاثة أشياء عشقها الشاعر حبيب، فكانت حاضرة معه دوماً»، كما تحدث عن علاقة حبيب بنصه، ذاكراً بعض الحمولات التي يستبطنها النص من عشق ونقمة وصعلكة، مركزاً على «التلقائية والعفوية» اللتين تشكلان «الثيمتين» الأهم في أسلوب فارس الأمسية، ومنطلقاً في ذلك من علاقته بالشاعر والتي «يبلغ عمرها حوالي 25 عاماً مع السيد محسن الشبركة وشفيق العبادي وعبدالكريم زرع وذلك قبل منتدى الغدير الأدبي». ثم قرأ الشاعر والكاتب محمود من مجموعة «مهد غواية» مناصفة مع نصوص من خارج المجموعة انتقل فيها بين الشعر العمودي والتفعيلة. والمجموعة المحتفى بها تتكون من 18 قصيدة بعضها يرجع للعام 1992، وتفاعل الجمهور مع القصيدة العمودية التي وصف بها الأرض وارتباطه برحمها. وكان محمود قرأ أولاً «سقوط طلال مداح» الأسطوري - كما وصفه - في أبها، قائلاً: «على شفتين سمراوين ترجف نغمة نشوى كمن يقوى ولا يهوى كمن يهتز في وترين أو يحنو على قمرين أو يرتج في شفق الصدى الهادر ثم قرأ قصائد مختلفة ومنها: قريتي يبست في رماد حكايتها وانمحى الماء من بهو أصباحها المنتظر قريتي نخلة تنحني لسوام الهوام تصفق للنائمين تنفض أعذاقها في الحفر» ومن قصيدته «كتاب الكراهية الأنيق» وبجراءته المعتادة، قرأ: «أكرهُ الشعرَ متئداً، أكرهُ الشعرَ منتبِهاً، أكرهُ الشعرَ خُبزاً..!» ويكمل سيرة الكره: «وأكرهنُي حين أعصرُ أغنيتي وأعرّي الهدايا..! وأكرهُ، من آخر الشهرِ، أسئلة المُفلسينَ العظامِ ومن أوّل الشهر أكرهُ فاتورة الماءِ، وهي تُمازحني عطشاً، وتبلّلُ جدولها..! أكرهُ من أصدقائي وصايا الوصايا..! وكلام النوايا..! أكرهُ تاريخ قومي، وسيوف أبي لهبٍ وهي تصقُلُ، باسم الإلهِ، الرياحْ..!» ويختم خصامه الكثير داخل هذه القصيدة قائلاً: «أكرهُني حين أصلبُ عُصفورَ صبحٍ ببابي، وأحنثُ في اللغة الصامتهْ». وقال في قصيدته «قريتي» والتي يحكي قصة عشقه بأرضه التي يخاف عليها، يروي حكاية عشق ممزوج بخوف من أن تهرب من خوصها إلى أسمنت المدينة: «آهِ من قريتي. تتنقَّبُ حيناً، وتلبسُ، حيناً، «بكيني» مدينهْ..! قريتي في عباءتها النخلُ والماءُ وهي تضاجعُ أسمنتَ غابتها، وتنامُ حزينَهْ..! قريتي يبستْ، في رماد حكايتها، وامّحىْ الماء من بهْو إصباحِها المنتظَر..! قريتي نخلةٌ تنحني لسوام الهوامِ، تُصفّق للنائمينَ، تنفضُ أعذاقها في حُفر..! قريتي جنّةٌ.. قريتي من سقر..! أشطرُ الظلَّ، أنتفيْ في المواقيتِ، كما يدّعيْ خُواءُ مدينهْ..! يا حنينيْ،...» حتى يعود قائلاً: «الهواءُ يؤرجحني..! حُمَّ في آهةِ النّدى وتَرٌ، هشٌّ، لعلّي أرتّبنُي، ولعلَّ المواقيتَ لمّا تزلْ قدَراً، ولعلَّ اشتقاقاً جديداً من الصحوِ يعبُرُ وقتَ القلقْ..! شاحباً كالشفق..! ويؤرجحني..! والذي شاخ في داخلي؛ وطنٌ..!». ونفى الشاعر محمود عن ذاته كونه مصلحاً أم مرشداً أم معالجاً وهو يسرد قصيدته «إسلام الشمعدان» التي جاء في مطلعها: «اللّحىْ كاللّحىْ، ولا شيءَ إلاّ قبّعاتٌ سُودٌ تسودُ النهارا..!» يذكر أن الشاعر محمود يكتب المقالة والنقد منذ أعوام طويلة، وتنقل في جماليات الشعر الذي عبره التقاه القارئ أول مرة عندما أصدر مجموعته الشعرية الأولى: «حافة أنثى»، مكرساً حضوره وهاجسه الشعري في المقام الأهم، لكنه جرب كتابة السرد أخيراً متخلياً عن دور الصحافي، ومتجهاً تحديداً إلى الحكاية وعالم الشخوص والحركة في النص، ليتسع ويتوسع عندما كتب روايته الأولى «زَمْبَوْهْ». وفي نهاية الأمسية قام الشاعر شفيق العبادي بتكريم حبيب محمود ومحمد الماجد، ثم شهدت فقرة توقيع المجموعة إقبالاً كبيراً من الحضور. وذكر رئيس الجمعية الشاعر أحمد الملا ل«الحياة» أن هذه الأمسية كانت ختاماً لمعرض تشكيلي نظمته أخيراً جمعية الثقافة لتسع فنانات تشكيليات سعوديات تحت عنوان: «حكايا».