لا يخفى على احد، الموقع والمكانة، التي يشغلها صادق جلال العظم، في ميادين، الفكر والفلسفة، على حد سواء، وما عرف عنه من جرأة، وروح سجالية ومشاكسة للكثير من المثقفين، فضلاً عن الضجة التي أثارتها كتبه، لخرقها التابوات والمحرمات الدينية، السياسية والاجتماعية، ولا نبالغ اذا قلنا، بأن كل كتاب للعظم، كان بمثابة ثورة في عالم الفكر، بدءاً من نقد الفكر الديني، الحب والحب العذري، مروراً بدفاعه عن المادية والتاريخ، وذهنية التحريم، الكتاب الذي عرى، زيف ادعاءات بعض المثقفين، عندما تبنى قضية سلمان رشدي، ولا يمكن وبهذا المقام ان نتجاوز كتابه النقد الذاتي بعد الهزيمة، الذي اسس في ما بعد لكتابات نقدية تشرح، بنية التخلف العربي وقصور وعيها الغيبي، الخرافي والتقليدي. اليوم ومع اندلاع الثورة السورية، سجل للعظم موقفه المناوئ والمعارض للنظام، ولم يكل ويمل من إلقاء المحاضرات في دول العالم، وأجراء المقابلات الصحافية معه، وآخرها، كان مع صحيفة «الحياة» اللندنية، بتاريخ 22 نيسان (ابريل)، حواراً، أثار الكثير من القضايا التي تستحق النقاش والجدل، وبالطبع، سوف ننطلق، من ذات الوعي النقدي، الذي انطلق منه، عند حواره العديد من المفكرين، ومن أولى النقاط الخلافية، موقفه من اليسار، يقول العظم: (ان اليسار تلقى ضربة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ولم يعد له برنامج، او هدف، او رؤية، ومعظم اليساريين، يناضلون في صفوف المجتمع المدني ويدافعون عن حقوق الإنسان وهم تراجعوا خطوة الى الوراء واليسار لم يعد لديه ما يطرحه في الوقت الحاضر) يمكن القول، إن من تلقى الضربة هو يسار الأحزاب الشيوعية التقليدية، الملحقة والتابعة للأم الروسية، ان بقراراتها، وبنية تنظيمها البيروقراطية الأبوية، ناهيك عن الذهنية الميتافيزيقية بقراءتهم للنص الماركسي، وذلك لدواع انتهازية، وانهيار زادهم جموداً على جمود، والبعض الآخر، التحق بالمواقع الليبرالية، ولكن اليسار النقدي، كان مدركاً، وبناء على تحليل ومعرفة، لبنية الدولة السوفياتية الكليانية المستبدة، والتي لا تمت الى الاشتراكية بصلة، ومع اندلاع الثورة، خرج هذا اليسار من القمقم بعد رحلة اغتراب طويلة وانكفاء، ليعاود، مزاولته للسياسة، بعدما اطلقت الثورة العنان للحيز العام وبدأت بعض التشكيلات تعلن عن نفسها، بالرغم من تواضع حركتها، وإمكانياتها، ولكن، لا ضير من القول انه بدأ يلتقط انفاسه والجميع يعلم، ان الثورات ليست ايديولوجية ولا حزبية، ولكن الشعارات التي تطرح، ليست ببعيدة عن شعارات اليسار، وبالتأكيد، مهمته ليست بالسهلة على الإطلاق، وعليه ان يشرع بتنظيم صفوفه، واستقطاب الجمهور، وسيما وأن الإخفاق النسبي للإخوان في الحكم، اتى لصالحهم، لأن الإسلاميين لم يقدموا اجابات وحلولاً للكثير من المشاكل الاقتصادية الاجتماعية فضلاً عن التراجع على صعيد الحريات والديمقراطية. ويعلل العظم، فكرته حول انتفاء اي دور لليسار في الوقت الحالي، بأن المرحلة المقبلة ستكون للطبقة الوسطى والرأسمال العربي وعلى اليسار ان يتكيف مع الرأسمال. في الحقيقة، هناك دعوة واضحة من العظم، الى ان يتخلى اليسار عن وظيفته ودوره التاريخي، كمدافع عن الفقراء والمهمشين، وبالتالي اسقاط مفهوم العدالة الاجتماعية، من برنامجهم. وكنت، أوافق العظم، على رأيه، لو ان الطبقة الوسطى، كانت على غرار الأوروبية، ويكون لها ذات الدور الثوري التحرري، الذي لعبته عند صعود الرأسمالية، ولكن سياق الطبقة الوسطى وتموضعها ضمن الظروف الحالية، يحكم تبعيتها للغرب، وللرأسمال الريعي العربي، وبالتالي، سيكون مسارها اعرج، مشوهاً، وتابعاً، وتعيد انتاج الجوهر الكولونيالي، وتوظيفاتها، سوف تقتصر على القطاعات الخدمية، العقارية، من دون الاستثمار في القطاعات الإنتاجية، وتحقيق تراكم وطني، وما ينتج منه من نمو، تنمية تنعكس إيجاباً على حياة المواطن. إذاً، المرحلة المقبلة، ليست مرحلة بورجوازية ديموقراطية، يتحدد شكل الصراع فيها بين طبقتين، ويعود هذا الى تعقيد بنية المجتمعات العربية المتداخلة التركيب والبنيان، وإذا سلمنا جدلاً بصحة ما يطرحه العظم، وهذا كفيل ان يكون لليسار الدور البارز بمواجهة الرأسمال وشكل استثماراته. وننتقل الآن الى النقطة الثانية، المتعلقة بالمعارضة الخارجية، التي اعتبرها بمثابة بنية فوقية، موازية للبنية التحتية، تنقذ الثورة ومن واجبها خدمة البنية التحتية، ولكن عندما، تكون البنية الفوقية عبارة عن ائتلاف، غالبيته العظمى من «الإخوان» والنيوليبراليين، لن يكون بخدمة الثورة وإنما عقبة بوجه اهدافها، وغاياتها الكبرى، لأنهم يعملون وفقاً لمصالحهم وليس وفقاً لمصالح الثورة، وسيما وأن أطيافاً منه، تنحو منحى التجييش الطائفي، عبر دعمها مكونات بعينها، من يعبر عن الثورة ويكون بمثابة بنية فوقية، لها، هي الكتلة التي سوف تنبثق من قلب الحراك، ويكون لها صفة التمثيل الشعبي الحقيقي وتكون قادرة على ادارة المجالس المحلية في المناطق المحررة. ولا يمكن، من جهة اخرى الا ان يستوقف القارئ فكرة العظم، حول قدرة المكون السني على ضبط النفس وأن التدمير لا يطال الا المناطق السنية، والمستغرب ان ينطلق العظم من المسألة الطائفية عند تعيينه وتحديده للمكونات والفاعلين في الثورة السورية وإلى الأقلية والأكثرية، وهذا لا يمت الى المنهج العلمي الذي عودنا العظم عليه، وهناك ثورة شعبية، شاركت بها كل المكونات، ومنذ البداية، ومن يحاول ان يطيف هو البورجوازيات بكل تصنيفاتها ومسمياتها، فضلاً عما يذهب اليه العظم، يدعم ويؤكد ادلوجة النظام، حول طائفية الحراك، وهذا ما دفعه، الى الاستمرار بنهجه العسكري والهجوم على مناطق بعينها، هو تكتيك ممنهج. لا ضير من القول، انها انتفاضة سوادها الأعظم من فقراء ومهمشي الأطراف، وبصرف النظر عن انتماءاتهم الأهلية المحلية وشكل وعيهم الديني، هذا الوعي الذي استغلته كل الأطراف، للوصول الى الاحتراب الأهلي، الذي يكون بمثابة مخرج حقيقي للنظام حتى يعيد سيطرته، ومصلحة للقوى الإقليمية كي لا تنتقل الثورة الى بلادهم، وبالتالي ينتقل الصراع من سياسي الى صراع ايديولوجي. النقطة الأخيرة، هي ما تتعلق بالمثقف ودوره، وبهذا الخصوص، يصرح العظم بأنه يجب ان لا نحمل المثقف ما لا يتحمله، وبالتالي يتساءل، لما لا نحمل الطبيب، المهندس، التاجر ذات المسؤولية، يتناسى الدكتور، ان ما ذكر هي مهن، حرف، والمثقف، هو وحده دون سواه، منتجاً للوعي، وللهيمنة، النقيضة والبديلة للهيمنة الإسلامية والسلطوية، وإذا لم يكن للمثقف الدور البارز. لما نعت غرامشي الحزب، بالمثقف الجمعي، وهو القائل، أي غرامشي، كل الناس مثقفون ولكن ليس للجميع وظيفة المثقف، وعبدالله العروي، الذي قال، لن يرتفع البؤس عن المثقف، إلا إذا عمل على تغيير مجتمعه، جذرياً. المثقف ليس بطارئ على الثورة وعلاقته ليست بخارجية. * كاتبة سورية