عرقلت التظاهرات في مدينة ساو باولو البرازيلية، أحلاماً وخططاً كثيرة للحكومة، إذ قد تُجهِض مشاريع. لكن التظاهرات والثورات تأتي غالباً على غفلة من الطبقة الحاكمة، مسبّبة إحراجاً يتطلب تفسيرات مقنعة ويستدعي علاجاً فاعلاً. اجتاح آلاف من المتظاهرين شوارع ساو باولو، احتجاجاً على رفع تعرفة النقل المشترك، فيما كان رئيس البلدية فرناندو حداد وحاكم الولاية جيرالدو ألكمين في زيارة رسمية لباريس، لاقتراح استضافة ساو باولو معرض «إيكسبو 2020». وتدل حماسة البرازيل لاستضافة أحداث ضخمة، مثل مونديال 2014 والألعاب الأولمبية عام 2016، إلى رغبتها في تقديم صورة للمجتمع الدولي تليق بمكانتها، كونها إحدى دول مجموعة «بريكس» التي تحظى بأسرع نسبة نمو اقتصادي في العالم. لكن محاولات جذب رؤوس أموال، لمزيد من المشاريع الإنمائية، تثير تساؤلات عن النمو المنشود: ماهيته ولمصلحة مَن وعلى حساب مَن؟ سياسة التسويق المتبعة تتطلّب حنكة وحكمة، للموازنة بين الصورة المعتمدة والواقع الاجتماعي في المدينة المُروَّج لها. ولكن التظاهرات في ساو باولو فضحت اتساع الشرخ بين الصورة والمصوَّر. ففيما تُهدَر أموال طائلة لبناء مدرّجات، وتحديث آليات الأمن والسلامة، تهمل الحكومة قطاعات أخرى، مثل النقل العام والتعليم والصحة، إضافة إلى أن زيادة الطلب على الطاقة في المدن الكبرى، دفع السلطات إلى البحث عن حلول جذرية، تكون غالباً تداعياتها كارثية على المدى البعيد. ولطالما أثار البذخ المرتبط بالأحداث الضخمة، وما يسبّبه من تغييرات في النسيج العمراني والتركيب الديموغرافي، جدلاً واسعاً، لدلالته على سوء إدارة المدينة وثروات البلاد في شكل عام. المتظاهرون نفذوا حملة دعائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، داعين المجتمع الدولي إلى مقاطعة مونديال 2014. لكن ذلك لا يعني أن البرازيليين تخلّوا عن ولعهم بكرة القدم، بل العكس، إذ هتفوا ضد الاتحاد الدولي للعبة (فيفا)، محتجين على تسديدهم ضرائب باهظة لبناء ملاعب جديدة تلبي شروط «فيفا»، فيما أن معظم الشعب عاجز عن تحمّل زيادة ثمن تذكرة الباص، بما يعادل 0.1 دولار، ناهيك عن شراء تذكرة لحضور مباراة، يفوق سعرها الحد الأدنى للأجور؟ ومع اكتساب السياسة الداخلية طابعاً نيو – ليبيرالياً، تمثّل في خصخصة المطارات، لا ينحصر الخطر الذي يقلق الشعب، بالخصخصة وسوء إدارة موارد البلاد، بل يكمن في الفساد المتفشي منذ الولاية الثانية للرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا. في نيسان (أبريل) الماضي، استُدعِي لولا للتحقيق في فضيحة فساد هزّت البلاد، جعلته عام 2005 يعيّن ديلما روسيف، رئيسة البرازيل الآن، رئيسة للوزراء إثر استقالة عدد ضخم من الموظفين بعد الفضيحة. لكن السلطات تحاول تمرير قانون يسحب ملف التحقيق من النيابة العامة، ويسلّمه الى الشرطة الفيديرالية، ما يؤمّن للساسة حصانة مطلقة. ولعلّ بروز نجم مارينا سيلفا، الوزيرة السابقة للبيئة، يفسّر ميل الشارع البرازيلي للسير على خطى التجربة البوليفية برئاسة إيفو موراليس. فعلى رغم أن معظم المتظاهرين هم من الطلاب الجامعيين والمثقفين، فإنهم يطالبون، ليس فقط بحقوقهم، بل بالاستجابة إلى مطالب المهمشين. ويبدو أن الحكومة ستستمع إلى المتظاهرين، إذ أبدى حاكم ساو باولو جيرالدو ألكمين استعداداً لحوار، قبل أن تفقد السلطة سيطرتها على الوضع الأمني، ما يهدد نجاح المونديال.