ما من موسم ثقافي يمر على فرنسا إلا ويتضمن معارض وتظاهرات فنية وأدبية تتناول هذا الوجه أو ذاك من وجوه المحرقة اليهودية. وما تعرض له يهود أوروبا خلال حقبة النازية من إضطهاد وإبادة جماعية، ما زال يمثل في العقل الغربي أكبر جريمة ارتكبت بحق البشرية. فالعودة بالذاكرة والصورة أو النص والعمل الفني، الى ما حصل في أربعينات القرن العشرين، لما ترك من بصمات دامية ومؤلمة أمر واجب وضروري. والمهم في هذا الاطار، الحفاظ على يقظة الرأي العام واطلاع الأجيال الناشئة على الفظائع التي يمكن ان ترتكب بذريعة ايديولوجية استبدادية وإثارة يقظتهم حيال هذا النوع من الانحراف الفكري السياسي. ومن المنطلق ذاته، يجب لفت انتباه الرأي العام الى المعاناة المعاصرة التي تعيشها بعض شعوب العالم ومنها الشعب الفلسطيني، وهنا أيضاً بالنص او الصورة او العمل الفني. فالمعرض الذي ينظمه متحف «جو دو بوم» الباريسي للمصورة الفلسطينية أحلام شبلي، في اطار مشروع شامل عنوانه «فواييه فانتوم» (البيت الشبح او الوهمي)، يضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية الكبيرة الحجم، تظهر كيف تصون عائلات مرتكبي العمليات الاستشهادية ذكرى ابنائها المفقودين. وتخصص كل اسرة على طريقتها، زاوية في المنزل تضع فيها صوراً لفقيدها او شعارات او بطاقات تعزية وملصقات ولافتات تحيي ذكرى المقاتلين الشهداء. وأوردت صحيفة «ليبراسيون» ان ادارة متحف «جو دوبوم» اضطرت في نهاية الأسبوع الماضي لوضع ملصق توضيحي في احدى قاعات المعرض، مفاده بأن شبلي «تقدم اعمالاً فوتوغرافية لا تنطوي على اي نية دعائية واي اشادة بالارهاب»، مشيرة الى أن رئيس «المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية» روجيه كوكرمان وجه رسالة الى وزيرة الثقافة الفرنسية اوريلي فيليبيتي يعتبر فيها انه «من المؤسف ومن غير المقبول» ان يقام في وسط باريس معرضٌ لسلسة صور «تشيد بالإرهاب». ولم تبد فيليبيتي الكثير من الاهتمام بالموضوع على رغم انها من المفترض ان تكون بحكم منصبها أبرز المدافعين عن الحرية الفكرية والثقافية. وكذلك فإنها لم تأخذ بما أكدته شلبي بقولها انها ليست «مناضلة» وان عملها يقضي ب «تقديم الأمور من دون ادانتها او الحكم عليها». وردت الوزيرة على رسالة كوكرمان بالقول ان المعرض «يثير العديد من ردود الفعل التي يمكن تفهمها» لكنها «لا تدخل في اطار برامج المؤسسات الثقافية». واعتبرت ادارة المتحف ربما ان التوضيح الذي ألصقته داخل قاعة المعرض كفيل بتسوية الأمور ووضعها في اطارها الصحيح، لكنها اضطرت لإخلاء المتحف تكراراً، اثر تلقيها انذارات كاذبة بوجود قنابل داخل المبنى. ونقلت «ليبراسيون» عن مديرة المتحف آن راسين قولها ان المتحف تلقى ما لا يقل عن 200 اتصال تهديد وشتائم، وان رسائل الاحتجاج تصل اليها بالعشرات يومياً من فرنسا والولايات المتحدة. وأقرت بأنها كانت تدرك أن المعرض «قد يثير عدداً من التساؤلات» لافتة الى ان صور شلبي لم تتسبب بأي سوء فهم لدى عرضها في برشلونة. ونظم المتحف نقاشاً حول الموضوع في كلية الفنون الجميلة في باريس.