الكوميديا السوداء التي تُعرض على كامل مساحة الجغرافيا السورية، ليست في حقيقة الأمر سوى لعبة قذرة ودامية، تفترض القدرة على المنع أو الوصول الى السلطة. حيث لا ثورة ولا مؤامرة، بل مجرد لعبة! قالها أوباما، وما انفك يرددها كل حين، «إنه في حال ثبت استخدام السلاح الكيماوي من جانب النظام، سيكون بذلك، قد تجاوز الخط الأحمر لقواعد اللعبة»! وعليه، سنفترضها كذلك، وهذا يستدعي منا رصد وتقويم أداء كل من المعارضة والنظام، وذلك تبعاً لأهم الأحداث الناشئة والمؤثرة في الأزمة، والتي حضرت كأوراق، حاول كل طرف انتزاعها لمصلحته. أولى هذه الأوراق، يتمثل بالدخول العلني على خط النار ل «حزب الله»، تدخل ما كان له ليتم لو لم توفر له المعارضة الحجة والذريعة، والتي تتعلق ليس بالصمت على تدفق آلاف المجاهدين من كل جهات الأرض، ولكن بمباركة هذا الجهاد وشرعنته عبر المحطات الفضائية، وهذا ما حذرنا منه، من على هذا المنبر في أيلول (سبتمبر) الفائت، حين قلنا إن هذا الخطاب سيفتح الباب بالمثل، على مناصري النظام في الخارج، للدخول والقتال الى جانبه. والنتيجة، استعادة النظام زمام المبادرة. وأما حديث البعض عن تحالفهم مع الشيطان، من أجل إسقاط النظام، فتبين مع مرور الوقت، أن هذا الشيطان قد ثبّت هذا النظام. فالممارسات والخطاب التكفيري الذي ساد مناطق متعددة تسيطر عليها المعارضة، بدأ يغير مزاج تلك البيئات الحاضنة، والتي باتت تفضل العودة للدولة، ليس حباً بالنظام، ولكن للخلاص من حالة الفوضى والعبثية. ومع هذه الورقة ترتبط ورقة جبهة النصرة، التي أعلنت عن ارتباطها بتنظيم القاعدة. حيث صنفتها الولاياتالمتحدة كمنظمة إرهابية، وبدل أن يدين الائتلاف المعارض الجبهة، دان عوضاً عنها قرار الإدانة! وفي مقابلة على قناة «الميادين» لعضو الائتلاف ملهم الدروبي، اعتبر ان الأفكار التي تتبناها الجبهة، ليست إرهابية طالما أنها موجهة ضد النظام! وعن ردّه حول عدم اعترافها بالدولة المدنية والديموقراطية، أجاب: إذا ظلت على مواقفها بعد سقوط النظام، فإنها ستُعرّض نفسها للمساءلة! هكذا وببساطة، يصبح الإخوان المسلمون غانديين! اللهم باستثناء فزعة الرئيس مرسي، ليس لإخوان سورية، بل للثورة! فبعد مناهضته أخونة مصر وتحقيق الديموقراطية، ومحاربة البطالة والدفاع عن الإبداع والحريات، كما يفعل وزير ثقافته، مع ضمانه للأمن القومي من مياه النيل، يحق له ألا يرى غير تهديد «حزب الله»، إذ ربما لم يعلم بوجود 40 ألف جهادي، كأقل تقدير وفق الإبراهيمي، وربما لعلمه بأنهم جاؤوا لإحلال الديموقراطية وليس الخلافة! في المحصلة، قد يكسب النظام ميدانياً، ولكن بكلفة باهظة، تأكل من رصيده القومي لمصلحة المذهبي، الذي زاده دخول الحزب، مكرهاً! الورقة الثالثة، تتعلق بالخط الأحمر لقواعد اللعبة، فمع ضرب خان العسل بالغازات، سارعت المعارضة وداعميها، مطالبين المجتمع الدولي بالتدخل، عندها دعت الحكومة إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة، للتحقيق حصراً بهذه الواقعة. وبعد موافقة الأمين العام، طرأ تغير على القرار، وهو أمر رفضته دمشق وموسكو لأسباب تحاكي السيناريو العراقي. وما يثير الريبة هو لماذا لم تقبل المعارضة بالتحقيق فقط بخان العسل، إذا كانت متأكدة من ضلوع النظام؟ فالامتناع مؤشر لتورطها ومعها بعض العواصم الساعية منذ البداية لإدخال الناتو. وما صدر أخيراً عن البيت الأبيض، لا يعدو كونه ذريعة لتبرير تزويد المعارضة بأسلحة متطورة، ذريعة لم تُقنع الروسي ولا حتى الألماني، فالنظام بما يملك من قوة نارية تقليدية، ليس بحاجة لاستخدام الكيماوي ثلاث مرات، من أجل قتل 150 شخصاً! فقرار إمداد المعارضة بالسلاح، جاء للضغط على روسيا بعد سقوط القصير، وذلك لمنع سقوط حلب، لا من أجل الكيماوي، حيث اتضح أن خلايا للقاعدة تمتلكه أيضاً، وهو ما تم ضبطه في تركيا والعراق وسورية! فاللاعب الروسي يدرك، أن المواقف الأميركية الأخيرة، بما فيها التلويح بمنطقة عازلة مع الحدود الأردنية، ليست سوى مناورة لتحسين شروط التفاوض حول مؤتمر جنيف2، ومحاولة لإعادة ميزان القوى على الأرض. إلا أن النظام سيمضي في عملية عاصفة الشمال، كما مضى بعملية القصير، على رغم الهجوم الإسرائيلي الثاني على جمرايا. فمع الدقائق الأولى للضربة تعالت صيحات التكبير، تلاها هجوم على حواجز الجيش كافة، أملاً بدخول العاصمة، وبعدها أطل المعارض كمال اللبواني على «الميادين»، ليقول إن الشعب السوري سعيد بهذه الضربة! تبعه ظهور أحد ثوار تنسيقية حمص، على قناة اسرائيلية ليقدم شكره، إذ رأى أن العملية ساهمت في رفع معنويات الجيش الحر التي كانت شبه منهارة! يمكن تفهم هذه المشاعر، لاستحكام العداء، لكنهم في اللعبة السياسية، وقعوا في الفخ، بدليل خروج التنديد المتأخر للائتلاف. فالنظام الذي تتهمه المعارضة بالعمالة، تأتي اليوم وتضع نفسها في خانته ذاتها، وبشكل فج، يُظهرها وكأنها تنسق مع الإسرائيلي، الأمر الذي يخدم خطاب الأسد «العروبي- المقاوم». لقد كان أولى بالمعارضة إدانة الهجوم فوراً، ومن ثم الرد على الإسرائيلي ولو ببضع قذائف، لا أن تقوم ومن حيث لا تدري، بإهدائه أهم الأوراق، وذلك وفق ما تقتضيه، قواعد اللعبة السياسية! * كاتب سوري