بصرف النظر عن السؤال التقليدي في مثل هذه الحال، وهو من المستفيد من استخدام السلاح الكيماوي في سورية، أو لمصلحة مَنْ يبادر النظام إلى الحديث عن ذلك واتهام المعارضة به، يمكن التعمق في ظروف الحدث وزمانه ومكانه أن يقدم بعض الإجابة، ليس عن السؤال ومن يقف وراء هذا التطور الخطير فقط، إنما أيضاً عن المسار الذي قد تتجه إليه حرب الإبادة الجماعية التي يشنها هذا النظام ضد شعبه خلال الفترة المقبلة. في ما يتعلق بالمكان، يتفق النظام و»الجيش السوري الحر» على أن بلدة خان العسل التي وجدت فيها آثار استخدام الأسلحة الكيماوية منطقة غير محسومة الولاء، وأن قوات النظام متواجدة في قسم منها بينما يتواجد الثوار في القسم الآخر. إذاً مجال الاتهام مفتوح للجانبين على السواء، بخاصة أن البلدة تتعرض لغارات جوية وقصف بالمدفعية البعيدة المدى من قوات النظام بين وقت وآخر. وهذا الواقع هو الذي سمح لأجهزة إعلام النظام بأن تبث صور ضحايا هذه الأسلحة، وللناطقين باسمه بأن يوجهوا أصابع الاتهام إلى الثوار بأنهم يقفون وراء الحدث، كما للناطقين باسم «الجيش السوري الحر» بالقول إن غارة جوية لإحدى طائرات النظام أخطأت هدفها في البلدة المجزأة عسكرياً منذ فترة، فأصابت المنطقة الموالية لها بقنبلة ذات عبوة كيماوية، لا يملك الثوار مثلها. وفي ذلك، لم ينكر أي من الطرفين دخول السلاح الكيماوي على خط القتال الدائر في سورية منذ أكثر من سنتين، كما لم ينفه في شكل قاطع أو نهائي أي من الدول المعنية أو أجهزة مخابراتها. التباين كان فقط حول الجهة التي قد تكون استخدمته، وإن كانت روسيا الاتحادية التي تؤيد النظام السوري وتدعمه سياسياً وعسكرياً، وقد تعهدت بأن تحمي ترسانته غير التقليدية وتضمن عدم استخدامها، تراجعت سريعاً عن اتهام المعارضة بذلك وأكدت إنها تجري تحقيقاً في الأمر. أما في ما يتصل بالزمان، زمان الحدث ومبادرة النظام إلى الكشف عنه واتهام المعارضة به، فلا بد لأي متابع أن يتوقف عند عدد من الوقائع: أولاً، التزامن بين اتهام النظام قوى المعارضة باللجوء إلى هذا النوع من السلاح وإعلان كل من فرنسا وبريطانيا أنهما قررتا تزويد «الجيش السوري الحر» أسلحة ومعدات من شأنها أن تشكل رسالة جدية إلى النظام بأن استمرار الوضع القتالي الحالي، الكارثي بالنسبة إلى الشعب السوري والخطير بالنسبة إلى دول المنطقة، غير مقبول دولياً، ولا بد أن ينتهي إلى حل سياسي بتغيير النظام وانتقال السلطة. وتزامن ذلك مع إعلان الدولتين أنهما تلقتا تأكيدات من «الجيش السوري الحر» وضمانات بأن هذه الأسلحة لن تصل إلى التنظيمات التي تتهمانها، أو تتهمها الولاياتالمتحدة التي أعلن وزير خارجيتها إن بلاده لا تمانع قيام أطراف ثالثة بتسليح المعارضة، بالتطرف الإسلامي أو الإرهاب. ثانياً، تزايد التحذيرات الإسرائيلية، فضلاً عن الأميركية والأوروبية، من نقل النظام بعض الصواريخ التي يملكها وربما الأسلحة الكيماوية إلى «حزب الله»، أو أي تنظيم مماثل مؤيد له، وتهديد قيادة الجيش الإسرائيلي بأنها لن تسكت عن مثل هذا التطور حال حدوثه. وفي الوقت ذاته، تأكيد أكثر من طرف عربي ودولي، بما فيه «حزب الله» أن مقاتليه يشتركون فعلاً في العمليات القتالية إلى جانب قوات النظام في أكثر من موقع في سورية، وحتى في مناطق ريف حمص التي لا تبعد كثيراً عن مخازن الأسلحة الكيماوية من جهة، ولا عن ريف حلب حيث تقع خان العسل التي وجدت فيها آثار تلك الأسلحة من جهة ثانية. ثالثاً، قيام النظام بتوسيع عملياته الحربية على الحدود مع لبنان، وفي داخل أراضيه، وتهديده بقصف المزيد من مناطقه وبلداته وقراه من الجو والبر، بدعوى تسلل مجموعات منه إلى سورية... تنفيذاً لما وصفه منذ الأيام الأولى للثورة ضده بأن «زلزالاً مدمراً» سيضرب دول الجوار والمنطقة كلها في حال سقوطه أو تهديده بالسقوط. عملياً، في الفترة الأخيرة هذه لا تختلف حال الحدود السورية مع لبنان عن حال الحدود مع العراق، وإن بقرار من الحكم العراقي الحليف هنا، ولا حال الحدود مع الأردن وتركيا التي تتطاير من فوقها التهديدات في كل اتجاه، بما فيها اتهام حكومة رجب طيب أردوغان بأنها هي من زَوَّد المعارضة الأسلحة الكيماوية التي استخدمت في خان العسل. رابعاً وأخيراً، لجوء ممثل النظام لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري، ولكن بعد ساعات على طلب المعارضة تشكيل لجنة تحقيق دولية في استخدام أسلحة كيماوية، إلى عقد مؤتمر صحافي دعا فيه كذلك إلى تشكيل هذه اللجنة. وكان المؤتمر سريعاً ومرتجلاً إلى درجة أن الأسئلة التي وجهت إلى الجعفري كانت من قبل إعلاميين سوريين وليس من أي صحافي أو إعلامي آخر في المنظمة الدولية. هل تشكل هذه الوقائع، في ظروف الحدث ومكانه وزمانه، إجابة من نوع ما عن السؤال حول المستفيد من كشف استخدام السلاح الكيماوي في الحرب السورية، وعن الجهة التي ربما تكون وراءه؟ غني عن القول إن تعاون النظام مع لجنة التحقيق الدولية التي قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إنه قرر تشكيلها، أو وضع العراقيل في طريقها كما كانت حال النظام مع الموفدَين الدوليَّيْن كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، سيقدم بقية الإجابة عن السؤال.