تزامنت العملية الإرهابية الأخيرة التي استهدفت أحد رموز الأمن مع الإعلان عن القبض على مجموعة من الإرهابيين، معظمهم من حملة الشهادات العليا، مما يجعل الربط بين الحدثين وارداً جداً، نظراً إلى خطورة الاختراق وتزامنه مع ما يمكن ان يكون بداية الخيط للوصول الى التكفيريين الصامتين الذين لا يراودني شك في أنهم الرقم الصعب في معادلة الارهاب، إن المراهق الذي فجر نفسه وقبله العشرات مجرد أدوات خرقاء يديرها المنظرون الذين يعملون بلا كلل لتفريخ المزيد من المفجرين الذين لن يهدأ لهم بال حتى تقوم دولة الامة الاسلامية التي يراودهم الحلم لقيادتها، وللتأكيد على ذلك فقد خرج بعض المنظرين بعد الحادثة مباشرة وحاولوا ان يؤكدوا على الخطورة المزعومة للتغريبيين، بل وجعلهم في مرحلة موازية للتكفيريين، وفات على هؤلاء ان تاريخ المملكة لم يشهد حادثة عنف واحدة كان المتهم فيها تغريبياً، هذا على افتراض وجود تيار تغريبي، ناهيك عن ان يحاول التغريبي ان يمس احد الرموز الوطنية المسؤولة عن امن الوطن، والأدهى من ذلك ان احد الوعاظ خرج ليلة الحادثة يزبد ويتوعد التغريبيين من ان يهاجموا المشايخ والدعاة واهل الخير، وكأن أحداً هاجم الرموز المعتدلة التي تمثل الاسلام المتسامح، إن هذا الواعظ يخلط بقصد بين التكفيريين الصامتين والمعتدلين، وذلك بأن يجعل انتقاد الفئة الاولى – وهو نقد واجب - موجهاً الى كل مسلم معتدل ومتسامح، أو كأنه نقد للإسلام ذاته. قلنا فيما سبق وسنظل نقول إن المشكلة في المحرضين الصامتين الذين يظهرون ما لا يبطنون، وما يزيد المسألة تعقيداً هو ان لبعضهم حظوة مع انهم هم الداء ومصدر الشر، عندما يخرج احدهم ويقول بعد اعتقال الخلية الاخيرة إن التغريبيين هم اساس البلاء، وان الدولة يجب ان تحاربهم، فإنه يدعم الفئة الضالة ويقوي من موقفها، وعندما يحرض آخر على قتل مسلم موحد بطريقة صريحة فإنه من افراد الفئة الضالة مهما صنف نفسه بغير ذلك. إن خطورة الحادثة تتطلب مني ومن غيري ان نقول بوضوح ما نقوله سراً في مجالسنا الخاصة من اننا نستغرب اللين والتسامح مع المتشددين الذين لا يتورعون عن إظهار تشددهم بلا مواربة ومن خلال وسائل الاعلام، ألم يقل احدهم إن العيد الوطني محرم شرعاً، ولكنه لا يستوجب الخروج على ولي الأمر، مما يعني انه هو الذي يقرر متى يكون الخروج ومتى يكون الكمون؟ إن أكثر ما نخشاه هو ان يصيب الاحباط أولئك التنويريين الذين نذروا أنفسهم لخدمة الوطن مع ما يتطلبه ذلك من مضايقات وتهديدات وعندها ستخلو الاجواء للصامتين ليبثوا سمومهم بلا مواجهة من أحد. لا يكتمل الحديث عن الإرهاب دون المرور على فئة اخرى وثق بها ولي الامر والمواطنين وبعض اصحاب قلم ويشاركون في الكتابة، ولكن هذه الاحداث الجسام التي تقوم بها الفئة الضالة لا تحرك شعرة وطنية فيهم، فتجد احدهم – وبعد إحدى العمليات الارهابية - يكتب عن رحلته الميمونة، أو عن عبقريته الفذة، وآخر يكتب عن المطبات الاصطناعية في الشارع الملاصق لمنزله، وثالثاً ورابعاً على المنوال نفسه وكأن الاعمال الارهابية تجري في بلد آخر، إن هذه الفئة تذكرني بما قاله المفكر «نوم تشومسكي» عن آل بوش وريجان عندما سئل عن وطنيتهم، حيث قال: «إن ولاء هؤلاء للمال والجاه وانه لو احتلت روسيا اميركا فإنهم سيكونون اول المتعاونين معها والمدافعين عن مبادئها..!»، اني اعلم يقيناً ان ولي الامر يعلم ما لا نعلم، ولكني اعتقد جازماً انه آن الأوان لإعادة النظر في الكثير من الامور، فما كل من يتحدث صادقاً، ولا كل من يتشدق بالولاء موالياً، ولا كل من تمظهر بالدين متديناً، وأخشى ما اخشاه ان يأتي يوم نبحث فيه عن الصلاح والصدق فلا نجدهما، اللهم احفظ الوطن من كل سوء، واجعلنا من الصادقين في القول والعمل. [email protected]