شهدت اليونان أمس إضراباً عاماً استمر 24 ساعة تنديداً بإغلاق مجموعة «إي آر تي» العامة للتلفزيون والإذاعة بقرار حكومي أثار صدمة تهدد بالتحول إلى أزمة سياسية بين أحزاب الائتلاف الحكومي. وراهنت الحكومة على كسب الوقت بتقديمها غداة إغلاق شبكات التلفزيون العام، مشروعَ قانون لإعادة تنظيم وسائل الإعلام الرسمية، سعياً منها إلى منع تفكك ائتلاف أحزابها بعد نحو سنة من تقاسم السلطة بين محافظي رئيس الوزراء أنتونيس ساماراس وحزب «باسوك» الاشتراكي وحزب اليسار المعتدل «ديمار». وأراد ساماراس، الذي يعرض حصيلة أداء حكومته هذا الأسبوع على ترويكا الدائنين الدوليين لبلاده، من خلال إغلاق شبكات «إي آر تي» التلفزيونية ومحطاتها الإذاعية، أن يثبت تصميمه على التصدي لهذه الهيئة العامة التي يصفها الناطق باسم الحكومة بتهكم بأنها «بقرات مقدسة». وتُنتقد «إي آر تي» بسبب امتيازاتها ومحسوبيتها وسوء إدارتها، إلا أنها تحظى باحترام الأوساط الثقافية لحرفيتها العالية ولاسيما في مجال الأفلام الوثائقية. وعانى موظفو المجموعة منذ بدء أزمة الديون عام 2010 من الاقتطاعات المفروضة على الأجور، والتي قدرتها النقابات ب45 في المئة. وأكد ساماراس في كلمة ألقاها في غرفة التجارة اليونانية مساء أول من أمس، أن «عهد الامتيازات ل «إي آر تي» انتهى (...) ونحن لا نغلق التلفزيون العام، بل سننشئ محطة جديدة قريباً جداً». ولم يستجب ساماراس حتى الآن للنداء الذي وجهه شريكاه في الحكومة حزبا «باسوك» و «ديمار» لعقد اجتماع ثلاثي وإعادة فتح شبكات «إي آر تي». ولفت زعيم الاشتراكيين ايفانغيلوس فينيزيلوس إلى وجود «أجواء أزمة سياسية» في الحكومة، داعياً ساماراس إلى «الحفاظ على وحدة الحكومة ومستقبلها». ووسط الذهول العام توقفت قنوات «إي آر تي» عن البث مساء الثلاثاء بعد وقف عمل محطة إرسالها الرئيسة، في تجاهل تام لحشد من المحتجين تجمع أمام مقر الشبكة. ونددت المركزيتان النقابيتان للقطاعين الخاص والعام بعملية الإغلاق «اللاديموقراطية» التي تمت «في إطار سياسات التقشف»، ووصفتا قرار ساماراس ب «الانقلاب». ودعت النقابتان إلى إضراب عام أمس والتجمع أمام مقر «إي آر تي» في ضاحية شمال أثينا، منددة بالقرار الذي يهدف إلى «إلغاء هيئات عامة وتسريح 14 ألف موظف»، كما هو مقرر في مذكرة التفاهم الموقعة بين اليونان ودائنيها. وتعهدت اليونان لدائنيها بإعادة هيكلة قطاعها العام وتسريح آلاف الموظفين بحلول نهاية عام 2014، بينهم ألفان مطلع هذا الصيف. وفي بروكسيل، نأت المفوضية الأوروبية بنفسها عن قرار الحكومة اليونانية، مشيرة في بيان إلى أن القرار «اتخذ باستقلالية تامة»، مشددة على الدور المهم لقطاع الإعلام السمعي البصري في الحياة الديموقراطية. وطالب «الاتحاد الأوروبي للإذاعة والتلفزيون» و «جمعية الصحافة الدولية» التي تضم المراسلين العاملين في بروكسيل، بإعادة فتح هذه الهيئة التي تعود إلى 60 سنة والتي تبقى رمزاً للديموقراطية في بلاد تعرض فيها الإعلام إلى قمع شديد إبان الديكتاتورية العسكرية بين عامي 1967 و1974. وفي قبرص دعت نقابة الصحافيين إلى تجمع احتجاجي أمام السفارة اليونانية في نيقوسيا وسط مخاوف من أن تؤدي الأزمة في الجزيرة أيضاً إلى إغلاق قناة الإذاعة والتلفزيون العامة «ريك». والتزم الصحافيون بالإضراب كما لم تصدر الصحف أمس وامتنعت محطات الإذاعة والتلفزيون عن بث نشرات إخبارية، كما انضمت نقابة البحارة إلى الإضراب ما أثار بلبلة في خطوط الرحلات البحرية. وإزاء ردود الفعل الغاضبة، قدم الناطق باسم الحكومة سيموس كيديكوغلو تفاصيل مشروع قانون يقضي بإنشاء «إذاعة وإنترنت وتلفزيون يوناني جديد» باسم «نيريت»، على أن يبدأ البث نهاية آب (أغسطس) المقبل ويوظف 1200 شخص بدلاً من 2660 حالياً.