أظهرت منحة الغاز المقدمة من قطر إلى مصر، مدى صعوبة هذا الصيف على الحكومة المصرية التي تواجه أزمة تمويل وانقطاعات في الكهرباء، وتكافح لاحتواء استياء شعبي متصاعد. وتسببت انقطاعات يومية في ظلام دامس في المنازل والشركات على مدى الأسابيع الأخيرة، وتفاقمت في الأيام الأخيرة بفعل موجة حر مبكرة اضطرت المصريين إلى تشغيل مكيفات الهواء. وقدمت قطر مطلع الأسبوع خمس شحنات من الغاز الطبيعي المسال قد تبلغ قيمتها 300 مليون دولار «هدية إلى الشعب المصري الشقيق خلال أشهر الصيف». وهذه لفتة صغيرة من حليف خليجي أقرض مصر نحو سبعة بلايين دولار العام الماضي، ولكنها تسلط الضوء على الظروف العصيبة التي يمر بها 84 مليون مصري. وأدى تراجع مستويات المعيشة منذ الثورة إلى خيبة أمل انصبت على الرئيس محمد مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» التي ينتمي إليها، إذ يدعو معارضون إلى تظاهرات حاشدة في 30 الجاري الذي يتوافق مع مرور سنة على انتخاب مرسي. وارتفع عجز الموازنة وتراجع الجنيه بينما يبدي المستثمرون حذراً شديداً، ما دفع مؤشر بورصة القاهرة إلى الإغلاق عند أدنى مستوياته في أكثر من 10 شهور بداية الأسبوع. واستنزفت حلقة مفرغة من القلاقل وتراجع إيرادات السياحة، الاحتياطات النقدية للحكومة، ما يضطر الوزراء إلى طلب المساعدات من الخارج ولا سيما لتأمين إمدادات الوقود والخبز المدعومة بكثافة والتي تشكل ربع الإنفاق الحكومي. الصيف الأقسى وقال العضو المنتدب لاستثمارات قطاع الطاقة من شركة «القلعة للاستثمار المباشر» محمد شعيب، الذي كان يرأس حتى وقت قريب «الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية» «سنعاني خلال الصيف الذي سيكون الأقسى والأصعب والأكثر ظلاماً في تاريخ مصر»، بينما تزداد المخاوف مع اقتراب شهر رمضان المبارك الذي قد يصادف 9 تموز (يوليو) المقبل عندما ترتفع درجات الحرارة. ومنذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، أنفقت السلطات أكثر من نصف الاحتياطات الأجنبية، أي نحو 20 بليون دولار، واقترضت بلايين الدولارات من الخارج وأجلت دفع مستحقات لشركات النفط وموردين آخرين. لكن لأسباب عدة، منها دعم الوقود، فإن استهلاك الطاقة يبقى مرتفعاً بينما تواجه الدولة صعوبات في دفع ثمن الوقود المستورد لتوليد الكهرباء. وفي نيسان (أبريل) قدمت قطر وليبيا قروضاً قيمتها خمسة بلايين دولار، بينما أكدت الأخيرة أنها ستقدم ائتماناً إضافياً ب1.2 بليون دولار لشراء النفط الخام لصالح مصر بالأسعار العالمية. لكن ذلك لن يسد إلا جزءاً من عجز الطاقة في مصر التي ستبقى بحاجة إلى شراء الوقود في السوق العالمية ونقله من الموانئ إلى محطات الكهرباء وتشغيلها بطاقتها الكاملة تقريباً وتزويد المستهلكين بالكهرباء عبر شبكة متهالكة. وتظهر صعوبة الوضع في اضطرار الحكومة إلى تخفيف الأحمال عبر قطع التيار في مناطق عدة لفترات قد تصل إلى 10 ساعات، ما أدى إلى احتجاجات أواخر أيار (مايو) الماضي، قبل أن تتفاقم الأمور جراء موجة حر في أوائل الشهر الجاري. وفي مدينة الأقصر القديمة أبلغ المحافظ عزت سعد وكالة «رويترز» أن قطع الكهرباء شمل مواقع سياحية مهمة الشهر الماضي، منها معبد عمره نحو 3400 سنة، وناشد القاهرة عدم تكرار ذلك. تعطل التنقيب وأدى غياب الاستقرار السياسي خلال العامين الماضيين إلى تعطيل أعمال التنقيب والحفر في مناطق امتيازات بحرية وصحراوية مهمة، وخفض الإنتاج بينما يزداد الطلب المحلي، كما تسبب في تأجيل إنشاء بنية تحتية ضرورية لاستيراد الغاز المسال إذ أن المحطتين الحاليتين مجهزتان للتصدير فقط، ما يرجح تحويل الشحنات القطرية الخمس إلى عملاء متعاقدين على شراء الغاز المصري. ويتوقع المسؤولون المصريون أن يصبح بمقدورهم تسلم واردات الغاز المسال بحلول تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ولكن مصادر في الصناعة توقعت أن يستغرق ذلك نحو 14 شهراً، لتركيب منشأة استيراد عائمة وربطها بالشبكة. وتواجه محطات الكهرباء التي تستخدم زيت الوقود صعوبات أيضاً، منها عزوف الموردين الأجانب عن تقديم شروط للتسديد الآجل ومشاكل في التوزيع. وأوضح شعيب، الذي شغل سابقاً منصب رئيس «ايغاس» أن «حتى إذا توافر المال لاستيراد كل الكميات التي نحتاجها، فإن إمكاناتنا اللوجستية لا تسمح لنا بنقلها». وفي أشد الأيام حراً خلال الصيف الماضي وصل استهلاك الكهرباء إلى 27 ألف ميغاوات، ويُرجح أن يتكرر ذلك هذه السنة. وقال وكيل وزارة الكهرباء أكثم أبو العلا: في الصيف وفي رمضان قد يرتفع الطلب إلى 29 ألف ميغاوات ولكننا نعمل بأكثر من 86 في المئة من القدرة، أي 27 ألفاً. وتأمل الحكومة في أن تساعد حملة توعية على خفض الطلب هذا الصيف، كما سيُطلب من المساجد والأبنية الحكومية توفير الكهرباء، في حين اتفقت الوزارة مع الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة على تخفيف الأحمال في أوقات الذروة. ولكن بعض الشركات تعاني من نقص الطاقة، إذ أشار الناطق باسم مصنع اسمنت «النهضة» محمود عرفات إلى أن «وقود الديزل نفد في 28 أيار الماضي، ما اضطر الشركة إلى تسريح 600 عامل»، في حين أكد مسؤول تنفيذي آخر في قطاع الإسمنت أن الإنتاج في مصانع كبيرة في محيط العاصمة، تراجع بمقدار النصف بسبب نقص الوقود. وعبر أبو العلا عن أمله في نجاح خطط الحكومة لإدارة الطلب، وقال: «إذا نجحت كل تلك المحاولات فسيكون صيفاً معقولاً ولن نشهد انقطاعات».