مقدمة الفيلم الوثائقي «علويو تركيا... زوار بيت الجمع» الذي أنتجته قناة «العربية» وعرضته قبل أيام، تبدأ بمشهد طقس الرقص الديني، مصحوباً بالموسيقى والأدعية والابتهالات الدينية، في أحد «بيوت الجمع» العلوية، يتخللها مقتطفات من أقوال المشاركين في الفيلم، من العلويين الأتراك والأكراد والعرب الذين أدلوا بشهاداتهم. أتت المقتطفات على النحو الآتي: «نعم، أنا علوية»، «أن أكون علوياً وكردياً، كانت تجربة مؤلمة»، «العلويون يعيدون اكتشاف موقعهم في المجتمع»، «سورية لا تهتم بأنطاكيا»، «العلويون لا يسعون للمجابهة لأسباب دينية، بل لأسباب تتعلق بالهوية». من ثم يبدأ الفيلم من أحد المزارات المهمة للطائفة العلوية في تركيا. سبق صحافي - وثائقي هذا الفيلم الوثائقي (الكتابة والإخراج للكاتبة والإعلامية اللبنانية ديانا مقلد) يتناول إحدى أبرز القضايا الاستراتيجية التاريخية والدينية والطائفية الحساسة في تركيا، وفي وقتٍ يتم فيه حديث غزير عن القضايا والمشاكل الطائفية في المنطقة. فالملف العلوي في تركيا، ونتيجة حالة القمع الذي تعرض له العلويون على مدى قرون وعقود، والتعتيم الشديد الذي مارسته الدولة وأجهزة الإعلام عليه، تفتقر المكتبة العربية إلى المراجع البحثية التي تتناوله بعيداً من التعريفات والتقويمات النمطية المضللة والمشوهة، والتي في معظمها، سطحي ومغرض. ومن هنا تأتي أهمية هذا الشريط كونه حاول أن يقترب من المشهد العلوي التركي، والغوص في جوانب مهمة من تاريخ الطائفة العلوية، على صعيد الطقوس الدينية، واختلافهم عن بقية الطوائف الإسلامية الأخرى؛ وأوجه التلاقي والاختلاف التي تجمعهم مع العلويين في سورية، وموقفهم من الثورة السورية، وواقعهم السياسي والاجتماعي والثقافي في تركيا، ومطالبهم من الدولة التركية. ولقد نجحت مقلد، في شكل كبير، في اختصار هذا الملف المتشعب والمعقد، وتسليط الضوء على حيثياته، بكثير من الموضوعية والأمانة، والجرأة أيضاً، بما يختلف عن كثير مما يشاع ويُتداول عن علويي تركيا. وبالتالي، هذا الفيلم، لا يمكن اعتباره سبقاً صحافياً وبحثياً وحسب، بل سينمائياً وثائقياً أيضاً. الموقف من الثورة السورية تناول الفيلم انتقادات علويي تركيا لنظام بشار الأسد، وأشار إلى «أن انحياز بعض العلويين العرب لنظام الأسد، يراه العلويون الأكراد والأتراك، لا يعبر بالضرورة عن واقع الرأي العام العلوي»، كما جاء في التعليق. إذ أشار الكاتب والناشط السياسي الكردي العلوي جعفر سولجوم، أنه «في الظروف الطبيعية، ليس ممكناً للعلويين أن يدعموا ديكتاتوراً، يمارس سياسات ظالمة مثل الرئيس السوري. هذا مرتبط بسياسة حزب العدالة والتنمية في الشرق الأوسط. فالعلويون، يرون أن العدالة والتنمية يريد الإطاحة بالأسد لأنه نظام علوي. وهذا ليس صحيحاً. شخصياً، لم أدعم يوماً نظام الأسد الديكتاتوري، لا بالأمس ولا اليوم. والعلويون الذين يفكرون مثلي، كُثُر». وأكد الناشط العلوي التركي علي كنعان أوغلو أن «هناك بعض الانحياز إلى بشار الأسد. وهذا محدود ببعض العلويين العرب. العلويون الأتراك والأكراد لا يحبون الأسد. لم يكن هناك إعجاب سابق، ولم يحدث أي إعجاب خلال الأزمة الأخيرة». وفي سياق تناول الفيلم للواقع العلوي في تركيا، أخذ شهادات علويين من أتراك وأكراد وعرب، وتناول شهادة كاتبة وناشطة تركية سنية (جيران كينار) متضامنة مع حقوق العلويين. وكان التعليق، في تسلسل سرده لحكاية التاريخ والراهن العلوي، سلساً ومكثفاً، إلى جانب الموسيقى التصويرية والتصوير والمادة البصرية، التي ساهمت في تعزيز القيمة الفنية والعلمية والتوثيقية للفيلم. بالتالي، تناغمت الكلمة مع الصوت والصورة وترتيب الشهادات وتسلسل ورودها، ما جعل السيناريو ناجحاً جداً، إلى جانب نجاح الإخراج والعمليات الفنية، لينتهي الفيلم بأقل الخسائر الممكنة، وأكبر قيمة معرفية – بحثية – توثيقية. وبديهي أن هكذا عمل، يتناول ملفاً شائكاً وحساساً، سيتعرض لكثير من التهجمات والاعتراضات، وربما السخط والتذمر، من التوجهات الطائفية المعارضة للعلويين، وهذا ما أظهره حجم التعليقات السلبية على موقع «العربية.نت» بخصوص الفيلم. وبالتأكيد أيضاً، إن الفيلم، يعاني من بعض الهفوات، ربما أبرزها؛ الشق الفرعي للعنوان: «زوار بيت الجمع». إذ كان يمكن استخدام عبارة أخرى، ك «الهوية والمعاناة» مثلاً، لتنسجم وحقيقة علاقة العلويين ب «بيوت الجمع» على أنهم أصحاب هذه البيوت وليسوا مجرد زوار. بالإضافة إلى ذلك، يتبادر للذهن، بعد الفروغ من مشاهدة الفيلم، التساؤل الآتي: هل عُرضت المادة التاريخية للفيلم، على باحثين وخبراء اختصاصيين بقضايا الأقليات الطائفية في تركيا؟ في مطلق الأحوال، فيلم «علويو تركيا... زوار بيت الجمع»، يمكن اعتباره من المصادر المهمة التي يمكن أن يلجأ إليها الباحثون والدارسون للقضية العلوية في تركيا، لمعرفة جانب مهم من الواقع الموزاييكي القومي والديني والطائفي لهذا البلد.