سوكي هو الآخر، أحد المصادفات التي جعلت يومي السياحي في منهاتن هو يوماً «قاعدياً» بامتياز، فمع أنه مولود في أميركا قبل أربعة عقود إلا أن انتماءه القومي (هندي) والديني (سيخي) يجعلاه يبدو مميزاً في شكله وهيأته بما يجعله غير بعيد عن بن لادن في لون بشرته ولحيته وعمامته، وحتى رومانسيته، وهو صابر على طلباتي (ست ساعات) في مانهاتن المليئة بكل ما يستحق التوقف والتساؤل. سألت سوكي عما إذا كان هذا التشابه غير المقصود مع بن لادن، جلب له بعض المتاعب، وهو في مجتمع يعيش حال حرب مع شبيهه، يضحك ساخراً «تلك هي عظمة الحلم الأميركي، تراني سائق تاكسي، لكن لأن سجلي خال من أي ملاحظات أو إجرام قادر غداً على شراء أفضل فئات المرسيدس، وأفضل بيت يمكن لمثلي أن يحلم به. هنا القانون لا أحد يستطيع تجاوزه إلا بحيلة قانونية نادرة. كان البعض من ذوي البشرة السمراء يقفون أمامي في الشوارع بعد تفجيرات 11/9 ويذكرونني بحسب إشارات بغيضة بأنني مذنب، لكنها ظلت حالات شاذة». وحتى يلطف سوكي الجو، قال إن حكاية طريفة حدثت له مع لحيته، عندما كان يهوى فتاة روسية، فطلبت منه أن يحلقها فلم يتردد في ذلك، لكنه عندما تزوج وأصبح شخصاً راشداً بحسب قوله، كانت اللحية مهمة مثل العمامة. يضيف سوكي هذا التعليق، عندما سألته وقد مررنا بالحي اليهودي في منطقة (Williamsburg bridge)، ورأيت الحسان اليهوديات يغطين رؤوسهن، فيما يطلقن سيقانهن للطبيعة، عن السر وراء ذلك، فأجابني بقصته، قائلاً «هي التقاليد». من النقاط التي ساعدت القاعدة على تخليد موقعها في نيويورك، هو ذلك الفضول الذي يتملك السياح، وهم يتساءلون عن تفاصيل ما فعله ساكن جبال أفغانستان بعاصمة التجارة العالمية، وهنالك دهشت عندما فهمت من المرشد أن «مجموع الأبراج سبعة، وإن كان التوأمان هما الأعلى طولاً»، ولا يتوقف الفضول عند هذا الحد، بل في محال الهدايا كان بين أكثر التماثيل دَراً للمال تمثال البرجين قبل الإطاحة بهما. في صالات السينما ليس في نيويورك وحدها، مشهد آخر على أن الأميركيين يتعاملون مع زعيم القاعدة، كما لو أنه حي حتى بعد موته، حصد فيلم (ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل) للأرقام الأولى بين الأفلام الأميركية، منذ أيام عرضة الأولى. على أنه كان فيلماً أظهر الخلل الأميركي الداخلي والخارجي في ملاحقة الراحل أكثر من التركيز على ماذا بعد. وفي ختام هذا الفيلم، تبدو الصورة الأخيرة منه لبطلته مارلون واينس محيرة، فما إن كشفت الغطاء عن وجه غريمها الذي طاردته عَقداً، حتى ذرفت دموعها. ولم يبد عليها أي انفعال إيجابي مثل أي منتصر. هل كانوا يحترمون خصومهم؟ الأجمل في نيويورك أن قلبها يتسع للجميع، فهذا صاحب المتجر المحاذي لفندق بنسلفانيا، يجود بنصائحه النيويوركية، الخالية من القاعدة وأخواتها، وكأنه ملك المدينة قائلاً «هنا افعل ما تشاء، ولكن عليك أن تتذكر مثل الكلمات الثلاث المبدوءة بحرف الواو.wather.work.women الطقس، والعمل، والنساء، والنساء» وجعل يكرر النساء، مضيفاً: «المرأة خطر في أميركا، كل ما تقوله هو الحق فاحذر منها».