كان والدا ولاء يجبرانها على البقاء في المنزل بمدينة حمص التي تئن تحت وطأة الحرب الأهلية حفاظاً على سلامتها لكنها الآن تمشي في الشوارع وهي تحمل بندقية كلاشنيكوف وترتدي زياً عسكرياً مموهاً. وفي المناطق الموالية للرئيس بشار الأسد هناك الكثير من النساء مثل ولاء استطعن العودة إلى العالم الخارجي للمرة الأولى مع بداية الحرب الأهلية. وتلعب هؤلاء السوريات دوراً في قوات الأسد شبه العسكرية على رغم إقامتهن في منطقة محافظة تقيد فيها القوانين والعادات حقوق النساء وتحد من فرصهن ما يعكس مدى تأثر سورية بالصراع الذي أعاد تشكيلها وأضفى عليها طابعاً عسكرياً. وقالت ولاء (32 سنة) «كنت أعمل سكرتيرة في مكتب قبل عام 2011. وبعدئذ بدأت عمليات الخطف في حمص واندلعت الحرب هنا. ومنذ ذلك الحين بقيت في المنزل. كل ما كنت أفعله هو الاستماع إلى الأخبار والنقاش مع أبي وأمي». وأضافت «في منتصف عام 2012 بدأ الناس يتحدثون عن تشكيل قوات الدفاع الوطني. ظننت أن هذه قد تكون فرصتي للخروج من المنزل والحصول على عمل». وتشكلت قوات الدفاع الوطني لتنظيم عمل الميليشيات المؤيدة للأسد. فالجماعات التي كانت المعارضة تتهمها بارتكاب مجازر وحشية باتت ترتدي الآن زياً رسمياً وتتقاضى أجوراً من الجيش وتصف نفسها بأنها نوع جديد من قوات الاحتياط. وتلقت ولاء تدريبات على استخدام الأسلحة النارية والإسعافات الأولية وتدريبات عسكرية على مدار ثلاثة أسابيع. وتتقاضى ولاء 15 ألف ليرة سورية (150 دولاراً) أسبوعياً مثل الرجال وهو مبلغ ليس بضئيل في بلد ينهار اقتصاده. ولا تشارك ولاء وغيرها من النساء الملتحقات بقوات الدفاع الوطني في الأعمال القتالية ولا يقتربن أبداً من الجبهة الأمامية لكن يعملن في نقاط التفتيش. وبعيداً من المخاطر أو المزايا الاقتصادية التي ينطوي عليها الالتحاق بقوات الدفاع الوطني تحدثت معظم النساء خلال المقابلات التي أجريت معهن عن هذا الالتحاق باعتباره فرصة اجتماعية بل وربما فرصة عاطفية. وقالت نسرين وهي من حمص وتعيش حالياً في دمشق «كثيرات من صديقاتي في قوات الدفاع الوطني، ذهبت إلى بلدتي قبل أسابيع قليلة لتفقدها وفي الحقيقة بدت هادئة... فقد ظهرت السعادة على جميع الفتيات وبدا المناخ ودوداً». وأضافت مازحة «التحقت الكثيرات من فتيات عائلتي (بقوات الدفاع الوطني). ومن يعرف.. قد أجد لنفسي زوجاً». غير أن الإقبال لا يزال ضئيلاً إذ يقول مقاتلون من قوات الدفاع الوطني إن عدد المجندات يقدر بالمئات لكنه في تزايد بل ويزيد عددهن على ذلك إذا شمل عدد النساء اللائي تقدمن للتدريب لاكتساب مهارة الدفاع عن النفس وليس للعمل. ويقول بعض البائعين في معاقل الأسد إن الطابع العسكري صار من صيحات الموضة الرائجة. وقال ياسر صاحب متجر في طرطوس «اشتريت عدداً كبيراً من القمصان والسترات المموهة وتشتريها الكثير من الفتيات الآن». وأضاف «إنها حقاً تجارة جيدة لنا نحن أصحاب المتاجر الصغيرة». وتفرض القوانين قيوداً أقل على النساء مقارنة بكثير من الدول الأخرى في الشرق الأوسط ولكن العادات الاجتماعية المحافظة مازالت تلعب دوراً كبيراً في تحديد أدوار الجنسين فيما حدت الحرب كثيراً من فرص المرأة. لكن قوات الدفاع الوطني أعادت إليها دوراً عاماً محدوداً. وقال ضابط في الجيش طلب عدم ذكر اسمه «كان ذلك مقبولاً تماماً من البداية وفوجئت به. لم أكن أتوقع ذلك. وبدأنا في ترتيب الأمور بشكل أفضل». وأضاف «هذا استثمار لعزتنا الوطنية. وليس بالضرورة أن تكون فعاليته ملموسة بل هو أمر يتعلق برفع الروح المعنوية». وثمة نساء في وحدات قوة الدفاع الوطني في محافظتي حمص وحماة بوسط سورية وفي مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين. وقال الضابط إن هناك خططاً أيضاً لتوسيع نطاق تدريب النساء كي يمتد إلى دمشق. وتذكي المشاركة الرمزية للنساء في قوات الدفاع الوطني الانقسام الطائفي الذي زاد أثناء الحرب الأهلية. فأنصار الأسد الذي ينتمي معظمهم إلى أقليات مثل طائفته العلوية يرون أن ارتداء النساء الزي العسكري وعملهن في نقاط التفتيش يظهر الصورة الأكثر تحرراً وتسامحاً التي يريدون إظهارها. وقال راكان (30 سنة) أحد مقاتلي قوة الدفاع الوطني في حمص «هذا يؤكد ما يقوله النظام من أننا دولة علمانية». وأضاف أن هناك فوائد ملموسة أيضاً قائلاً «لقد ساعدنا ذلك كثيراً على الاستعانة بهن في نقاط التفتيش وتخفيف أعبائنا». ويسجل مقاتلو المعارضة من حين لآخر تسجيلات مصورة تظهر فيها «مقاتلات» يرتدين الحجاب ويقلن إنه لم يعد أمامهن خيار سوى حمل السلاح. ويقر معظم نشطاء المعارضة أن هذه حيلة إعلامية لاستنهاض همم أنصارهم. ويقول جوشوا لانديس محلل الشؤون السورية إن مشاركة النساء في العمل العسكري الذي اعتاد الرجال الانفراد به في سورية تعكس مدى الدور الذي يلعبه القتال حالياً في تحديد طبيعة هذا البلد الذي يقطنه 23 مليون نسمة. وأضاف «كل مظاهر المجتمع تكتسب طابعاً عسكرياً هذا مهم جداً بالنسبة للدولة. فعدد العلويين يقارب ثلاثة ملايين شخص. وإذا كنت تحاول استخدام هذا العدد في تشكيل معظم قوتك القتالية فهو عدد محدود للغاية». وتقول نساء أخريات شعرن بالقلق من تصاعد حدة التوترات الطائفية إنهن يتأهبن لحرب شاملة. وفقدت فدوى، من سكان مدينة مصياف ذات الغالبية العلوية، شقيقها وابن عمها وشقيق زوجها في القتال. وتخشى فدوى على أبنائها الأربعة وزوجها وتعتقد أن القتال قد يمتد يوماً إلى مدينتها التي يحصنها الجيش، نظراً لقربها من مناطق سنية موالية للمعارضة. وتقول «العلويون مهددون. نحن مستهدفون. أقل ما يمكننا فعله هو أن نتعلم الدفاع عن أنفسنا». وترى ولاء أن الالتحاق بقوات الدفاع الوطني أمر يتعلق باستعادة الكرامة التي تشعر بأنها فقدتها عندما تولى رجال مسلحون مسؤولية تأمين شوارع منطقتها. وتقول «تغيرت الطريقة التي ينظر بها الناس إلي... أشعر كأنني استعدت صفحات قديمة من حياتي. واستعدت الشعور بالثقة والاحترام».