10 دقائق فقط كانت كافية ليقرّ مجلس النوّاب اللبناني قانون تمديد ولايته مدّة سنة وخمسة أشهر تنتهي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، في إحدى أسرع الجلسات البرلمانية. مشهدٌ صدم اللبنانيين من مختلف الطوائف والانتماءات، بما أنّ التمديد يخالف جوهر النظام الدستوري الديموقراطي القائم على تداول السلطة. كلّ التبريرات المرتبطة بالأوضاع الأمنية المتردّية لم تقنع اللبنانيين بصواب هذا التمديد الذي يحصل للمرّة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية. وحتّى تقديم رئيس الجمهورية ميشال سليمان طعناً بالتمديد أمام المجلس الدستوري لم يشفِ غليل المواطنين، الذين لجأ بعضهم الى رشق سيارات النوّاب بالطماطم وحمل التوابيت التي ترمز الى دفن الديموقراطية في لبنان، فيما أطلق آخرون حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بتمديد من نوع آخر: التمديد للفواتير والمستحقات والقروض الكثيرة التي يتحمّلها المواطنون فيما يشهد الوضع الإقتصادي تراجعاً مستمراً. الضغط مالياً بما أنّ التمديد أصبح أمراً واقعاً، بما يشمل فترة ولاية البرلمان اللبناني وبعض المرجعيات الأمنية وحتّى التمديد للأزمة الاقتصادية، لا يجد اللبنانيون حلاً إلا المطالبة هم أيضاً بالتمديد لأنّ «البلد كلّه معطّل» كما يقول المواطن نخلة كرم. ويضيف أنّ أياً من الاستحقاقات لا تحصل في وقتها، وأي مشروع اقتصادي لا يتحقّق واقعياً بعد سنوات من التخطيط، فيما يبقى الشيء الوحيد الثابت هو الفواتير المتراكمة شهرياً والأقساط الشهرية التي تثقل كاهل اللبنانين، الذين لا يجدون حلاً أمامهم إلا الاقتراض من المصارف لكي يسيّروا أمورهم. وتلفت المواطنة ليا أسود الى أنّ رواتب النوّاب ستكون مستمرة طيلة فترة التمديد لهم، فيما ستتركّز أعمالهم على القانون الانتخابي من دون أي مشاريع اقتصادية أو تنموية أخرى، ما يعني أنّ المستوى المعيشي سيبقى متردّياً كما هو اليوم. وتشدّد أسود على ضرورة أن يتحرّك الشعب اللبناني لرفض «المهزلة». وإذا لم تنفع التظاهرات والاحتجاجات في الشوارع، يمكن أن يسلكوا طريقاً آخر، وهو أن يمدّدوا لأنفسهم في كلّ المسائل المرتبطة بمؤسسات الدولة كالانقطاع عن دفع فواتير الكهرباء والماء والهاتف... وغيرها، بهدف الضغط على المجلس النيابي ليقطع فترة التمديد غير الشرعية. رفض «افتراضي» فقط! كلّ ردود الفعل التي أبداها اللبنانيون تجاه التمديد للمجلس النيابي صبّت في الخانة ذاتها: رفض هذا الخرق للنظام الديموقراطي. وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالتعابير الساخطة تجاه الوضع القائم، مع بروز الكثير من الرسوم الكاريكاتورية والصور المفبركة للبرلمان اللبناني الذي «فقد شرعيته». لكن، على رغم كلّ ذلك، فإنّ الرفض لم يتحوّل حقيقة ورقة ضغط تجاه النوّاب اللبنانيين الذين يجب أن ينكبوا على تطوير القانون الانتخابي وتنظيم الانتخابات النيابية في أقرب وقت. يقول الناشط المدني إيليا إسحيا في هذا السياق، إنّ هناك الكثير من الأفكار التي كانت متداولة عبر موقعي «فايسبوك» و «تويتر»، ومنها فكرة إعلان العصيان المالي على الدولة ووقف دفع الفواتير أو أي مستحقات على المواطنين، وذلك حتى تجري الدعوة إلى الانتخابات وفق قانون يؤمّن التمثيل الصحيح مثل القانون النسبي. لكنّ كلّ الأفكار والاقتراحات بقيت أسيرة العالم الافتراضي، «ما يترك المجال واسعاً أمام النوّاب ليتصرّفوا كما يشاؤون في الحكم»، وفق إسحيا. ويعبّر الناشط عن قلقه من هذا الاتجاه لدى اللبنانيين بالنضال افتراضياً فقط، فيما كانت الأعداد المشاركة ميدانياً في التعبير عن السخط الشعبي عبر رشق سيارات النوّاب بالطماطم وحمل توابيت الديموقراطية محدودة ومحصورة ببعض الناشطين المدنيين. وهكذا، يُجمع اللبنانيون على أنّ المشهد السياسي اليوم في بلاد الأرز، هو خطأ بكلّ ما للكلمة من معنى. لكن بوادر الثورة الحقيقية لم تبرز بعد على الساحة اللبنانية، فيما الأنظار كلّها تتّجه نحو المجلس الدستوري الذي يملك وحده الحقّ في إلغاء مفاعيل قرار التمديد.