أعاد الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في التغيير الحكومي الجديد، تركيز السلطة التنفيذية في يده بعد أكثر من ثماني سنوات من قيادته لنظام سياسي مختلط برلماني – رئاسي. واختار الرئيس الفلسطيني لرئاسة الحكومة الجديدة الدكتور رامي الحمد الله، وهو شخصية أكاديمية من خارج الوسط السياسي، ويترأس جامعة النجاح في نابلس شمال الضفة الغربية منذ 15 عاماً. وجاء التغيير بعد تجربة صعبة للرئيس عباس مع ثلاثة رؤساء وزراء شكلوا تحدياً كبيراً لقيادته: الأول هو أحمد قريع، أحد كبار مساعدي الرئيس الراحل ياسر عرفات، والثاني اسماعيل هنية رئيس كتلة حركة «حماس» في المجلس التشريعي والتي فازت بأكثر من 60 من مقاعد المجلس عام 2006، والثالث هو الدكتور سلام فياض، الاقتصادي البارز الذي قاد الحكومة ست سنوات خطّ فيها لنفسه سياسة مستقلة عن الرئيس. وكان عرفات أسس السلطة عام 1994 وفق النظام الرئاسي، لكن ضغوطاً غربية عليه أثناء الانتفاضة الثانية دفعته الى تعديل النظام الأساسي للسلطة ليصبح نظاماً رئاسياً – برلمانياً، فاستحدث منصب رئيس الحكومة ليقاسم الرئيس صلاحياته التنفيذية. ونشب صراع حاد بين الرئيس الراحل ورئيس حكومته الأولى، عباس، انتهى لصالح عرفات. ثم تعايش عرفات مع قريع رئيساً للوزراء بعدما وافق على العمل تحت قيادته. واليوم، يعيد عباس السياسة ذاتها التي اتبعها عرفات، وهي تركيز السلطة في يده عبر اختيار رئيس وزراء يعمل تحت قيادته وينفذ سياسته. فصائل تنتقد ورفضت القوى الرئيسة في منظمة التحرير، مثل الجبهتين «الشعبية» و»الديموقراطية» وحزب «الشعب» و»المبادرة الوطنية»، المشاركة في الحكومة الجديدة. وقال الامين العام لحزب «الشعب» بسام الصالحي ل «الحياة»: «نعتقد ان الدكتور الحمد الله كفاءه مميزة، لكننا لم نشارك في الحكومة هذه ولا في السابقة لأنهما تعملان من دون مرجعية رقابية، ولأنهما مقيدتان بقانون موازنة مضلل». ورأى أن السلطة في حاجة الى مرجعية رقابية على الحكومة، مثل مجلس تأسيسي في ظل غياب البرلمان، أو الكتل البرلمانية او المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية. يذكر ان المجلس التشريعي الفلسطيني توقف عن العمل منذ الانقسام عام 2007 الذي انتهى بسيطرة «حماس» على قطاع غزة، وسيطرة حركة «فتح» على الضفة. وقال نائب رئيس المكتب السياسي ل «الديموقراطية» قيس عبدالكريم إن جبهته التي شاركت في حكومة فياض السابقة، لن تشارك في الحكومة الجديدة بسبب «ملاحظات جوهرية على السياسة الاقتصادية والأمنية»، مشيراً في ذلك الى تراجع الحريات العامة. وتنتقد القوى السياسية تراجع الحريات وتزايد انتهاكات حقوق الانسان في السلطة، وارتفاع الاسعار، وسيطرة السلطة التنفيذية على باقي السلطات. وقال الصالحي: «في مسألة حقوق الانسان، لدينا مرجعية وهي الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، وهي من المؤسسات الدولية، وترى أن حقوق الانسان في تراجع، وقدمت توصيات للسلطة لتعزيز حقوق الانسان». حمد الله يحافظ على نهج سلفه ومن المتوقع أن تقسم الحكومة اليمين الدستورية أمام الرئيس عباس في غضون اليومين المقبلين. وقال رئيس الوزراء الجديد إن معظم الوزراء في حكومة فياض سيحتفظون بمناصبهم في الحكومة الجديدة. وأكد في مقابلة مع «صوت فلسطين» صباح أمس أن حكومته ستواصل نهج حكومة سلفه. واضاف ان «مدة هذه الحكومة مرتبطة بالتوصل الى تشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة عباس خلال ثلاثة اشهر». وقال امين سر المجلس الثوري لحركة «فتح» امين مقبول لوكالة «فرانس برس» امس «ان تكليف الحمد الله تشكيل الحكومة الجديدة جاء بعدما لم تنجح «فتح» و «حماس» في التوصل الى اتفاق بتشكيل حكومة توافق وطني في الثاني من حزيران (يونيو) الحالي». ورأى محللون سياسيون ان عمر هذه الحكومة سيطول «لأنه لا توجد ملامح تشير الى قرب التوصل الى اتفاق بين «فتح» و» «حماس» خلال ثلاثة اشهر». «حماس» تندد ونددت «حماس» بتكليف الحمد الله معتبرة إياه «غير شرعي»، وقال الناطق باسمها فوزي برهوم لوكالة «فرانس برس» ان الحكومة التي سيشكلها الحمد الله «غير شرعية وغير قانونية كونها لن تعرض على المجلس التشريعي» المعطل منذ الانقسام الفلسطيني منتصف عام 2007. وأضاف: «هذا استنساخ لتجارب سابقة وتشكيلات قام بها أبو مازن لن تحل المشكلة ولن تحقق الوحدة كونها لم تكن نتيجة للمصالحة أو تطبيقاً لاتفاق القاهرة». وشدد على ان الحل بالنسبة الى حركته «يكمن بتشكيل حكومة كفاءات وطنية بموجب اعلان الدوحة واتفاق القاهرة». من جانبه، قال القيادي البارز في «فتح» نبيل شعث للصحافيين في غزة «ان الحكومة الجديدة لن تشكل أي عقبة في وجه محادثات المصالحة مع حماس»، منوهاً الى ان «حماس طالبت في (لقاء سابق) في القاهرة بتأجيل العمل لتشكيل حكومة وحدة لمدة ثلاثة اشهر». واضاف: «ليس من المنطق إبقاء حالة فراغ في الضفة الغربية وابقاء نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون فلسطيني من دون حكومة». وشدد ان حركته «جادة في التوصل الى الوحدة الوطنية... أنا لا أريد اتهام أي طرف بوضع عقبات امام هذه الجهود لان الوحدة هي هدفنا». نبذة عن الحمد الله ولا يشغل الحمد الله (55 عاماً) الحاصل على درجة الدكتوراه في اللغويات التطبيقية من بريطانيا، أي منصب في أي فصيل فلسطيني، الا انه يعتبر من المقربين من «فتح». وكان تولى عدداً من المناصب الرفيعة في المؤسسات الفلسطينية العامة، منها الامين العام للجنة الانتخابات المركزية. كما يشغل منصب رئيس برنامج التعاون الأوروبي - الأميركي - الفلسطيني في المجالات الأكاديمية، وعضو مجلس اتحاد الجامعات العربية للبحث العلمي، ونائب رئيس الأكاديمية العلمية الفلسطينية، ورئيس مجلس إدارة بورصة فلسطين، وعضو مجلس رؤساء الجامعات الفلسطينية، وعضو لجنة الدستور الفلسطيني، وعضو اللجنة التنفيذية لاتحاد جامعات العالم الإسلامي وغيرها. والحمد الله أيضا عضو في المجلس التنفيذي لاتحاد الجامعات العربية، وعضو في مجلس إدارة المجلس العربي لتدريب طلاب الجامعات العربية التابع لاتحاد الجامعات العربية، وعضو الهيئة الاستشارية لمجلة اتحاد الجامعات العربية، وعضو مجلس أمناء في المجلس الأكاديمي العالمي، وعضو مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات، وعضو مجلس أمناء جائزة فلسطين الدولية للتميّز والإبداع، وعضو مجلس أمناء معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، وعضو اللجنة التنفيذية لبرنامج التعاون الأوروبي الفلسطيني في مجال التربية.