هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    التدريب التقني تمنح 63 رخصة تدريب لمنشآت جديدة في أكتوبر الماضي    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    المملكة وتعزيز أمنها البحري    مبدعون.. مبتكرون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    الرياض الجميلة الصديقة    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    هؤلاء هم المرجفون    أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل خزام: دبي مدينتي التي أعيش فيها ... ويشدّني العالم الروحاني
نشر في الحياة يوم 04 - 06 - 2013

تُكتب الرواية لأن هناك شيئاً لا تقوله إلا الرواية. هذه مقولة لميلان كونديرا تحولت ذريعة للشاعر الإماراتي عادل خزام وحافزاً إلى اقتحام مجاهل الكتابة الروائية، فأصدر «الظل الأبيض» (مجلة دبي الثقافية). راح عادل خزام يخوض في شرك السرد البطيء والوصفي والممل أيضاً على حد تعبيره.
تنمُّ «الظل الأبيض» التي أتبعها بعنوان شارح: «تجربة في الاستنارة»، لن يستوعبه القارئ سوى بعد أن يبلغ منتصف الرواية - عن خبرة مَن سبق له أن مارس الكتابة السردية، إذ يمكن الكلام عن مستويات في اللغة، عن السرد وتنويعاته، عن الوصف، وعن تماسك الفضاء. في «الظل الأبيض» أيضاً مساحة من الاستطرادات الفلسفية والوصفية والشعرية، التي تحمل - كما يوضح - خطاباً صريحاً حول سؤال الذات الإنسانية ولغزها الوجودي الكبير، وفيها حالات وصف كثيرة لمفاصل ومشاهد لا يمكن أن تقال في الشعر، «لهذا السبب ذهبت إلى الرواية وحقنتها بالمعاني المباشرة وغير المباشرة، ووجدتها رحبة تستوعب كل البذور».
استطاع صاحب «الستارة والأقنعة» القبض على شخصية روائية بامتياز، في الأربعين يسكن استوديو أشبه بالسجن لولا النافذة، يعيش على هامش نفسه وسط مدينة مكتظة بالبشر من أنحاء العالم، لديه مشاكل في عمله وكان يرفض امتداح أحد حين كان يعمل صحافياً، مما أكسبه عداوات، إضافة إلى كل ذلك فهو شكاك ويعيش خيبة أمل مع النساء ولا يخلو من جوانب مظلمة، لكن سرعان ما انطوت صفحات الرواية لنرى هذه الشخصية تعيش تجربة تأمل قاسية، أقصد أن اندفاعها إلى خوض التجربة الروحية جاء سريعاً قبل الوصول إلى منتصف الرواية وقبل أن يشعر القارئ بالتشبع من هذه الشخصية التي بدت فريدة.
في الرواية، يأتي بناء هذه الشخصية على مرحلتين، الأولى حينما كان يعيش مثل الآخرين في لهاث المدينة وزحامها، «ولم يكن هناك من داع للتطويل لشرح حياته المركبة وضياعه عن معنى وجوده. ثم تأتي المرحلة الثانية التي يتأسس فيها روحياً ويكتشف ذاته حين يصل إلى مرحلة (الاستنارة) إلى أن يتحول في نهاية الطريق إلى الشخص الذي يرغب في أن يكونه فيكتب الشعر ويصبح إنساناً نقياً صافياً».
فرادة التجربة الروحية التي خاضتها الشخصية وكشفت عن ثقافة عميقة ومعرفة لا يستهان بها في هذا المجال، إلا أن هذه التجربة، من جهة أخرى، أبطأت من إيقاع الرواية، فضلاً عن احتلالها الجزء الأكبر من الرواية، وكأنه لم يكن من هم لدى الروائي سوى تقديم النصائح لكيفية اكتشاف الذات عبر التمارين اليومية، لكن من جهة أخرى أضفت ارتحالات الذاكرة والحكايات التي تستدعيها الشخصية من الماضي، حول الصحراء وغيرها مسحة من الجمال والحيوية، بيد أن عادل خزام الذي ترجمت أشعاره إلى الإنكليزية والفرنسية والهندية والألمانية، يدافع عن صنيعه الروائي وبخاصة ما يتعلق بالتجربة الروحية، ويرى أن رسم العالم الروحاني ووصفه كان من أصعب الفقرات في الرواية، «وربما يكون ذلك حسنتها غير المرصودة، فأن تؤسس لمعمار المعاني غير القابلة للوصف، وأن تشرح كيفية حدوث الاستنارة، وتعرف بالحالات الجوانية التي يراها المتأمل، ثم تربط كل ذلك بنسيج خارجي اجتماعي ينعكس على داخل الذات، وبلغة تتصاعد من السردي البسيط إلى الشعري العميق، فلا بد أن تواجه إشكالاً، خصوصاً لدى القارئ الذي اعتاد على نمط سريع من السرد الحكائي». صاحب «السعال الذي يتبع الضحك»، يؤكد أن روايته التي يعتقد أنها قالت أشياء ربما تطرق للمرة الأولى عربياً، لم تكن تنشد الجري وراء نمط سائد، واتخذت عالمها الخاص منذ البداية، «ولذلك فإن بُطء الإيقاع أحياناً كان سمة في بعض اللحظات التي تستدعي التفصيل».
من ناحية بدت الشخصية الرئيسة في الرواية متصالحة مع مدينة دبي، ولم تحاول تسجيل موقف منها عدا بعض الإشارات البسيطة، وكأنها غير معنية بالبنايات الزجاجية وناطحات السحاب التي يشعر معها المرء بمشاعر متناقضة، وكأن الروائي أراد تقديم وجهة نظر مختلفة عن المدن ولم يذهب إلى نقدها كما يفعل بعض الروائيين الذين ينتمون إلى مدن يغلب عليها الإسمنت والزجاج وتخفُّ فيها حركة البشر. لم يجعل عادل خزام المواجهة بين «البطل» والمدينة، إنما بين البطل ونفسه وأسئلته، «وهي أسئلة يحملها أي كان وفي أي مكان يعيش، عندما يجرب التناقض كله في المشاعر التي لا يعرف كيف ينميها أو يقمعها، في السطوع الواضح واللمعان الكبير لأضواء النيون وزجاج العمارات التي تخفي وجوهاً من حياة لا نعرفها». تحتضن دبي جنسيات العالم كله، كما يقول خزام، «إنها النسيج الكوزموبوليتاني الجديد للإنسان الذي يبدأ بالسؤال عن هويته وهو يعيش في دائرة صغيرة أو عمارة يلتقي ببشر من هويات العالم كله».
إذاً، فرواية «الظل الأبيض»، من وجهة نظر الكاتب، لا تتخاصم مع المكان، وإنما تحاول أن تقرأ استنتاجاته وتقدمه أحياناً كما هو، «إضافة طبعاً إلى أن دبي مدينتي التي أعيش فيها، وعاش فيها بطل الرواية كل مغامراته. وفي «الظل الأبيض» هناك الأمكنة الخارجية مثل دبي وغيرها من مدن العالم، وهناك الأمكنة الداخلية والدروب الروحية العميقة التي يسلكها البطل لنيل الخلاص».
لكن إلى ما يشير إلى حضور التجربة الروحية بهذه الكثافة، إذا لم تكن رد فعل على مادية الحياة المحيطة، أو على الأقل واحداً من تجلياتها، «تظل التجربة الإنسانية متعددة في مستوياتها المعرفية، فكما أن المادية اليوم تحاصرنا في كل التفاصيل، إلا أننا يجب أن نولّد من داخلها ما يعيننا على الانسجام مع العالم، كأن نكتب الشعر حتى لو ارتفع طنين الفوضى، وأن نذهب للاختلاء والتأمل لدقائق أثناء الاستراحة بين وظيفتين».
يوضح أن الرواية تنطوي على دعوة مبطنة لمثل هذا التوازن المطلوب، «بين ما يؤثر فينا خارجياً ويدفعنا لاختلاق ردود فعل مباشرة ضده، وبين نقاء روحنا الداخلية التي يجب ألا نفقدها وإلا فقدنا إنسانيتنا. هي دعوة لعدم التعلّق بالزائل يكتشفها المرء من خلال التجربة وليس من خلال النصح». منذ كتابه الشعري الأول «تحت لساني»، كانت الحكمة المبطنة بالشعر، أو الشعر الذي يحمل في داخله حكمته الخاصة، تشدّ عادل خزام، «كأن تقول مثلاً: (الرحمة تأتي مسبوقة بسيّافها). جمل من هذا النوع كانت تجذب الشعرية إلى منطقها الخاص، وتكرر ذلك في بقية المجموعات الشعرية في شكل أكثر اتساعاً». ويلفت إلى أن في ديوانه «الوريث» نصوصاً كاملة طويلة كانت تبني معمارها على فكرة الخلوص إلى نوع من الحكمة التي لا توجد إلا في الشعر، «نعم يشدّني العالم الروحاني، وهو اليوم ظاهرة ثقافية كبيرة بدأت باحتلال مكانة الفلسفة، التي تراجعت بعد رحيل جيل فلاسفة الستينات في فرنسا وأوروبا».
في ما يخص الكتابة الشعرية، يقول صاحب «مسكن الحكيم»، الذي يعد واحداً من الأسماء التي حضرت باكراً في المشهد الشعري الإماراتي والخليجي، من خلال اشتغال عبّر عن رؤية جديدة للشعر وللعالم، أن القصيدة التي يكتبها اليوم تغيرت بتغير واتساع مفهومها الكبير لديه، فهو يدع قصيدته تستوعب كل الجماليات والوظائف الفنية، «التكنيك في بناء معمار النص هو الذي يجعل من المعنى الشعري أكثر حيوية وقدرة على تصوير العالم اليوم. والخروج بالقصيدة من نمطيتها القديمة، ومن شكلها الواحد، كان مسعى لانفتاحها على الابتكار والتجديد. وفي اعتقادي لم ينجح في كتابة هذا النص سوى القلّة ممن نضجت تجاربهم وتمرّسوا في التجريب حتى أقصاه». النص المتعدد في طرائق التعبير أو الذي يشملها كلها، هو الوحيد، وفقاً لعادل خزام، القادر على حمل الشعرية باتجاه المستقبل، «وهو الذي يمكن أن ينقذ الذائقة من ارتباكات مرحلة اتسمت بالتشكيك والتطاحن حول مفهوم الشعرية، نتج منها غياب أي مشروع عربي نقدي يؤسس لشرعية التجديد»، ويؤكد أن دعاة التقليد عادوا لاحتلال الواجهة، فيما المجددون غابوا داخل أسئلتهم، «وتسيّد الشارع اليوم صوت الجفاف الذي لا شعر فيه ولا نغم».
السؤال عن شعر خليجي له مواصفات معينة، سؤال أصبح ينتمي إلى الماضي وإلى مراحل سابقة، لكن اليوم، كما يقول عادل خزام، لا يمكن وضع وصف خاص للشعر الخليجي، «النص الذي ينتج في بيروت وفي المغرب والعراق، هو نفسه يكتب هنا، وإن كان بتفاوت بين هذا وذاك. لقد سبق الشعر أشكال التعبير كلها في الخليج وكان حاضراً باستمرار وشكّل تداخلاً وتقاطعاً مع التجربة العربية». في المقابل هو يظن أن هناك وجوداً لرواية خليجية «تكتب بامتياز وقادرة على إثارة أسئلة جديدة باستمرار».
الكلام عن المشهد الثقافي الإماراتي بجوائزه ومؤسساته يدفع عادل الخزام الذي فاز بجائزة أفضل موسيقى في مهرجان مسرح الطفل في الشارقة إلى التأكيد على وجود رؤية واضحة من القيادة السياسية، لجعل الإمارات عاصمة ثقافية عالمية، «ونحن كأدباء وفنانين، نحاول أن نواكب هذا الطموح بالعمل والتفاعل والحضور. هناك امتداد نوعي متعدد وضخم للنشاط الثقافي في أكثر من مدينة وإمارة، وأصبحت صفة (العالمية) واضحة في العشرات من الأحداث التي تقام في الإمارات». بيد أن ما ينقص هو الوقت لاستكمال هذه المشاريع، التي يعتقد أنها ستجعل البلاد منبعاً لظهور الكثير من فرسان الإبداع والثقافة، سواء كانوا مواطنين أم عرباً أم أجانب. ويلفت إلى أن الإمارات قامت كدولة على فكرة التسامح والمحبة. هذا الأمر - كما يقول - منحها القدرة على استيعاب البشر بمرجعياتهم الثقافية كافة، «وأظن أن هذا النسيج المركب من الناس، سينتج خطاباً ثقافياً جديداً يذهب بفكرة الهوية إلى عالميتها، ولكن بروح عربية، وتحقق هذا غير بعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.