انفجارات يومية مروعة، قتلى وجرحى بالعشرات بين صفوف المدنيين الأبرياء، هدم دور وجوامع وحسينيات، نعيق عجلات الإسعاف والشرطة، إطلاق نار عشوائي يشيع الفوضى والذعر بين الآمنين، خطف وقتل ب «الكاتم»، تعطيل المدارس والكليات لأيام وأيام... هكذا يبدو المشهد. العراق ينزلق إلى حافة الهاوية، لأن الجميع يريدون تحطيمه وجرّه إلى حرب طائفية. حقاً أنه صراع مدمر لتصفية حسابات خاصة كانت مودعة في بنوك الحقد والكراهية، على كل ما هو عراقي، من قوى تعمل في شكل حثيث على إذكاء نار الفتنة والتفرقة بيننا لتفريق صفوفنا وتخويفنا من بعضنا بعضاً، وقتل بعضنا الآخر تحت أي مسمى، شريطة أن تبقى الأولوية تنفيذ أجندات وسياسات تخريبية، لهدم البنية التحتية للعراق الجديد، وتعطيل مشاريعه الاستراتيجية التي ترقى به إلى مصاف الدول المزدهرة اقتصادياً والمعافاة سياسياً، ومن ثم جرّه إلى حرب أهليه لن تبقي ولن تذر. وكان منفذ تلك القوى تحقيق غاياتها الشيطانية، كالتفجيرات المنظمة، وأعمال العنف ضد كل قطاعات الشعب من دون تفريق، وبالتالي السعي الى زعزعة أمن المحافظات، فكان من تداعيات تلك المشاهد المأسوية تردي الوضع المعيشي، وانتشار الفساد في مفاصل الدولة بلا هوادة، وغياب القانون، وتعطيل بنود الدستور وفق المصالح الطائفية، والعراك على المناصب من جانب الساسة، وبروز ديكتاتوريات جديدة على حساب العملية السياسية التي أريد لها أن تبنى على قيم ديموقراطية سليمة، لتعود قوى الشر والظلام الى توظيف العاطلين والمحبطين، من الذين يشعرون بعدم الانتماء الى العراق، ومن ثم دفعهم بيسر لتنفيذ مخططات طائفية عرقية، في شعب تحول من مجتمع سليم الفطرة إلى مجتمع متطرف عقائدياً. لذلك كان من السهل تغذية الطائفية فيه، وتجييش الشعب على شكل ميليشيات ضد بعضه بعضاً. في ظل هذه المتغيرات السياسية والأمنية، برزت أفكار وتيارات تكفيرية هدامة بين الطوائف والمذاهب، حتى صار لبعض رجال الدين نصيب في التأجيج العلني ضد من خالف دينهم، وحتى من هو من الدين نفسه لكنه اختلف معهم في المذهب والطائفة. بل وتكفير بعضهم بعضاً، واستحلال دمائهم. وانتقلت عدوى هذه التداعيات إلى الشعب الذي تحول إلى طرف ثالث، ليواصل عبر تغريداته اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، حرباً طائفية تكفيرية، تضر بحريتنا الدينية التي ليست من اختراع أحد بقدر ما هي قيمة عالمية مترسخة في قلوب الجميع، حتى أدرك المتابع البسيط تصعيد اللهجات ضد بعضنا بعضاً، وتصوير رموز المذاهب والطوائف بأبشع الصور الكاريكاتورية المهينة، لتصبح حياتنا بركاناً لا يطاق. إن هذه العمليات التخريبية تم التخطيط لها مسبقاً، لتقسيم العراق (الدولة) إلى أقاليم ودويلات، على أساس عرقي طائفي، توفر فرص إضعافه وإنهاكه بنزاعات داخلية، تضمن هيمنة المشروع الأميركي - الصهيوني على المنطقة. بعد كشف هذه المخططات التخريبية ضد العراق والعراقيين نسأل: ما هي الخيارات المتاحة لنا في التعامل مع هذا الوضع الحرج والدقيق لنزع فتيل التوترات في المنطقة وتأميم أجواء من التهدئة، وصولاً إلى مقاربة مقبولة بين الفرقاء السياسيين، تزيل بؤر التوتر في منطقة تقف على برميل بارود متفجر؟ من هذا المنطلق نناشد جميع الأطراف الوطنية، من قوى سياسية واجتماعية ودينية، ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والتزام الحكمة، والإقدام على تضحيات مؤلمة قسرية، حقناً لدماء العراقيين الأبرياء، والسعي الجاد لإعادة تأهيل كل الهيئات الدينية، الشيعية منها والسنية، من دون تفريق، لأنني أرى بعين التفاؤل أنّ هناك طفرة نوعية في وعي الناس، الناتج من الممارسات المتواصلة لحقوقهم الديموقراطية، على مدار السنوات العشر الماضية، ما يجعل وعينا يفوق دول المنطقة، التي لا تتمتع بالمساحة نفسها من الحركة السياسية، ويؤهلنا لاستشعار فداحة الكارثة التي ستحل علينا.