يقدّم بينالي البندقية للفنون اعتباراً من صباح الغد، عالماً لا يرحم من سلطة المال، إلى مشاهد مأسوية ودمار، مع عدد قياسي من الأجنحة يصل إلى 88 جناحاً وطنياً بينها للمرة الأولى جناح للفاتيكان. في الجناح الروسي تمطر السماء ذهباً وتزود الزائرات مظلات في حين أن الزائرين من الذكور محصورون في الطابق الأول وينبغي أن يكتفوا بدور المشاهد راكعين. ويكتب الفنان فاديم زاخاروف على جدار: «أيها السادة حان الوقت للاعتراف بفظاظتنا ونرجسيتنا وزيفنا وتفاهتنا»، وقد أطلق على عمله اسم «داناي». ويوضح: «كل ما هو ذكوري يسقط من أعلى فقط على شكل مطر مذهّب. الطابق السفلي (المخصص للنساء) هو الأحشاء حارس هدوء المعرفة والذاكرة». أما الجناح الإسباني فعبارة عن مشهد دمار حيث احتلت الفنانة الشابة لارا المارثيغي الفضاء المركزي وغطته بالركام من أحجار وإسمنت وتراب وزجاج. مع هذا الركام يخال الزائر أنه دخل إلى موقع ضربه زلزال أكثر منه إلى قاعة عرض فنية، فيما يركز فنانون فنزويليون على «الفن الحضري وجمالية التخريب». فرنسا التي استبدلت جناحها مع ألمانيا للاحتفال بمرور خمسين سنة على اتفاقية الإليزيه، تقترح منشأة فيديو لانري سالا بعنوان «رافل رافل انرافل» المستوحاة من كونشرتو لليد اليسرى لموريس رافيل. وتعرض في الجناح السويسري فالنتان كارون منشآت مرتبطة بقاسم مشترك واحد وهو منحوتة أفعى برأسين من الحديد المطروق تتنقل من قطعة إلى أخرى. ويقول مفوض الجناح جوفاني كارمين إن العمل «هو خطاب أنيق حول صعوبة وضع تحديد للنحت». ويعتمد بينالي البندقية هذه السنة موضوعاً عاماً اقترحه مفوض التظاهرة الإيطالي ماسيميليانو جوني وهو «القصر الموسوعي». والموضوع الطموح هو محور معرض كبير في مخزن الأسلحة القديم في البندقية حيث جمع 4500 عمل أنجزها 158 فناناً من 37 بلداً. وفي المدخل مجسم من توقيع الفنان الإيطالي الأميركي مارينو أوريتي الذي تصور العام 1955 متحفاً من 136 طابقاً يهدف إلى استضافة معرفة البشرية بكاملها. ويقول ماسيميليانو جوني «إن المشروع لم ير النور إلا أن الحلم بمعرفة أممية، يعبر الأزمنة». هذا الطابع الأممي يطمح إليه البينالي الذي يستضيف هذه السنة عشر دول جديدة هي إلى جانب الكرسي الرسولي، أنغولا والبهاماس والبحرين وساحل العاج وكوسوفو والكويت وجزر المالديف وباراغواي وجزر توفالو. وإلى جانب الأجنحة الوطنية المقامة في حدائق البندقية ومعرض مخزن الأسلحة، يستكمل 47 حدثاً جانبياً موزعاً على كل أرجاء المدينة، البرنامج وبينها معرض مرتقب جداً للفنان الصيني المعارض أي وايواي حول اعتقاله في ربيع 2011. مشاركة عربية ودأبت الدول العربية على المشاركة في البينالي مثل مصر وسورية وفلسطين، ومن الخليج كانت الإمارات أول دولة من المنطقة تنضم إلى الحدث العالمي عام 2009، تلتها المملكة العربية السعودية عام 2011. وتعود الإمارات هذه السنة إلى أرض المعارض في البندقية بعمل للفنان محمد كاظم بعنوان «المشي على الماء»، ولكنها أيضاً تعود بمفاجأة، إذ أصبحت الدولة الخليجية الأولى التي تحصل على مساحة عرض طويلة الأمد. وكانت إدارة بينالي البندقية قد منحت الإمارات عقد الضيافة الطويل الأمد في آرسنال سالي دي آرمي، واتفق على العقد بالتعاون مع وزارة الخارجية. وبهذا تنضم الإمارات إلى 30 دولة من أصل 86 تمتلك أجنحة خاصة بها. يذكر أنه لم يمنح عقد الضيافة الطويل الأمد لأي دولة منذ عام 1995. وتقول مفوضة الجناح لميس حمدان، إن «محمد كاظم من أشهر الفنانين في الإمارات، تتلمذ على يد الفنان الشهير حسن شريف». وتوضح أن عمله يأتي من سلسلة «اتجاهات» ويهدف إلى إلقاء الضوء على التحديات الراهنة. وتعلق القيّمة ريم فضة على العمل بقولها: «سلسلة اتجاهات هي عمل تجريبي طوّره كاظم وعمل عليه عقوداً لصنع أعمال فنية مختلفة استخدم فيها النظام الملاحي لرصد الإحداثيات الجغرافية للأماكن والأرقام التوثيقية لمواقع الأشياء والأمكنة لإيحاء عملية التثبيت الجغرافي وتحديد الهوية». وفي المقابل، يستعد فنانون وفنانات سعوديون، لعرض أعمال فنية تقدم تجارب ذاكرة الجيل الجديد من الفنانين المحليين، ضمن معرض «ريزوما»، وعنوانه «جيل في الانتظار» الذي سيفتتح في البينالي. ويضم المعرض مزيجاً فنياً، يجمع بين التقنية والعلوم والفلسفة الطبيعية التي تسلط الضوء على الفنون الإبداعية للقرن ال21 في السعودية. وتبنت إقامة المعرض مبادرة «أدج أوف أرابيا»، بالشراكة مع «مبادرات عبداللطيف جميل الاجتماعية». ويحمل المعرض الذي تشرف عليه الناقدة الفنية سارة رضا، والشاعر الفنان أشرف فياض، مفهوم «الريزوم»، وهو الجزء المغطى من ساق النبات في التربة، إذ يطلق الجذور في اتجاه جانبي، وليس إلى أعلى كدلالة على تحدي جيل الفنانين الحالي لقوى الجاذبية، بمشاريعهم المبتكرة، وأعمالهم الإبداعية التي تناسب الفلسفة الفنية للقرن الحالي. كما يشارك من فلسطين الفنانان بشير مخّول وعيسى ديبي اللذان وُلدا داخل مناطق 1948 وهاجرا ليصبحا مواطنين في دولتين أخريين، ينشطان في داخل عالم فنيّ معولم. وهما لا يزالان يريان أنهما فلسطينيان ويبحثان عن طرق جديدة لتخيّل الشعب عن بعد. والمعرض بعنوان «احتلال مغاير»، ويشرف عليه كل من بروس فيرغوسون وروان شرف. العراق في البندقية بغداد - "الحياة" - يستضيف بينالي البندقية 11 فناناً عراقياً، اختيروا بالتنسيق مع مؤسسة «رؤيا» للفن العراقي المعاصر. وسيكون عنوان المعرض «أهلا بكم في العراق»، وهو مخصص لفنانين يعيشون ويعملون هناك، وسيضم لوحات ورسوم كاريكاتير وتصويراً فوتوغرافياً تعكس مرحلة من حياة السكان. وبعض الفنانين في العراق، معزولون عن عالم الفن، وقسم منهم لا يعرف أين تقع مدينة البندقية، بسبب عدم وجود لقاءات ونشاطات فنية محلية، إضافة إلى انشغالهم بتوفير لقمة العيش اليومية، أو خوفاً من الاغتيال على أيدي المتشددين. ويبدو أن وضع الفنانين في منطقة كردستان مستقر أكثر بسبب الحرية التي يتمتعون بها، إذ أن منطقتهم كانت بمنأى عن أحداث الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003. وتقول مديرة مؤسسة رؤيا للفن المعاصر تمارا جلبي، إن «المجتمع المدني يعيش صراعاً في العراق، لكننا نشعر بأنه بدعمنا للفن والثقافة نردم هذه الفجوة بين الفن في العراق والعالم الخارجي». وسيتضمن المعرض مشاركة 11 فناناً عراقياً اختارهم من بين 100 فنان مدير غاليري ايكون في برمنغهام جوناثان واتكنز الذي قام بجولة في محافظات عراقية عدة برفقة جلبي، منها بغداد والبصرة وبابل وإقليم كردستان. والفنانون هم: عبدالرحيم يسير، عقيل خريف، علي سامية، باسم الشاكر، شيمان إسماعيل، فرات الجميل، حارث الهُمام، جمال بنجويني، كاظم نويرووامي، ياسن وامي وهاشم تائه. وسيقام المعرض في قصر «بلازو داندولو» على القناة الكبرى في البندقية الذي كان مسكن عائلة أرستقراطية عاشت في القرن السادس عشر. وستزين القاعة بقطع من السجاد اليدوي الكردي، وستعكس القاعة الكبرى في المعرض روح الحضارة والتراث العراقيين. وعاد العراق إلى بينالي البندقية عام 2011 بعد غياب استمر 35 سنة، وكان عنوان جناحه «المياه الجريحة»، بمشاركة ستة من الفنانين العراقيين هم عادل عابدين، حليم الكريم، أحمد السوداني، علي عساف، آزاد ناناكلي ووليد سبتي.