بفضل إجراءات متنوّعة، تتفاخر أميركا على ألسنة منظّمات علميّة راسخة، من بينها «منظمة الصحة العالمية»، بأن أمراض القلب والشرايين تنخفض فيها بثبات منذ عام 2010 على الأقل، إذ سجّل ذلك العام أول إحصاء وثّق انخفاض هذا النوع من الأمراض في الولاياتالمتحدة. وأشارت تقارير متواترة صدرت منذ ذلك الوقت عن «معاهد الصحة الوطنيّة» في أميركا، إلى أن هذا التقدّم الملفت إنما أُنجِز بفضل إجراءات تضمّنت مكافحة التدخين، والتنبيه لمخاطر المأكولات السريعة («فاست فود» Fast Food)، والترويج لأنماط صحيّة في الغذاء، والتحفيز على ممارسة الرياضة وغيرها. واعتبرت السلطات الصحية الأميركية، وكذلك «منظمة الصحة العالميّة»، أن مكافحة التدخين شكّل الإجراء المُفرَد الأكثر فعاليّة في التسبّب بانخفاض أمراض القلب والشرايين في الولاياتالمتحدة. عالم مهزوم في المقابل، يبدو لافتاً اتّساع ظاهرة التدخين بالنرجيلة (الشيشة) في كثير من بلدان العالم الثالث، وبعض البلدان الأوروبية أيضاً، خصوصاً مع توسّع حضور الجاليات العربية والإسلامية فيها. ولم يعد انتشار النارجيلة مقتصراً على المطاعم والمقاهي العربية في بلد مثل ألمانيا، بل وصل إلى المطاعم الألمانية التي بات بعضها يعتبر «الشيشة» عنصراً مهماً في جذب الزبائن لأنهم صاروا يقبلون على تدخينها بأعداد متزايدة. ونظراً إلى انتشار ظاهرة النارجيلة في أوروبا، أجريت دراسات غربية متنوّعة لمعرفة آثارها على الصحة، شاركت فيها مجموعة من المؤسسات الصحيّة في «الاتحاد الأوروبي». وتبيّن أن دخان «الشيشة» يحتوي سبعين مادة مُسبّبة للسرطان، ما يشابه حال السجائر. وكذلك تبيّن أن هذا الدخان يحتوي على كمية وافرة من النيكوتين الذي يذوب بسرعة في الدم، ما يزيد في قدرته على إحداث أذية في الجهازين العصبي والتنفسي. إضافة إلى ذلك، يؤدّي حرق السكر الموجود في بعض أنواع التبغ المستخدم في النارجيلة، كتلك التي تُعطي نكهة الفواكه، إلى إفراز مواد تضر بالغشاء المخاطي للجهاز التنفسي. وأظهرت بعض الدراسات أيضاً وجود تأثير سلبي لتدخين النارجيلة على نمو الجنين، إذ يمتص الجسم كمية كبيرة من مواد مثل الزرنيخ والكروم والنيكل، أثناء تدخين التبغ بأنواعه المختلفة. وتساهم هذه المواد في أمراض مثل التهاب الكبد والعدوى بالفطريات، إضافة إلى علاقتها المعروفة مع إمكان الإصابة بأورام خبيثة في الفم والحلق. وتحاول كثير من بلدان الشرق الأوسط التصدي لهذه الظاهرة. وأصدرت مجموعة من القرارات المتصلة بتنظيم التدخين في الأماكن العامة المغلقة والمفتوحة، لعل أحدثها صدر في لبنان السنة الفائتة، لكنها لم تترك آثاراً كبيرة على هذه الظاهرة. النارجيلة ونساء الشرق الأوسط قبيل الأحداث الداميّة التي ضربت سورية ببضعة شهور، أظهرت دراسة أجراها «المركز السوري لبحوث التدخين» على أكثر من 2000 منزل في مدينة حلب، أن نسبة مدخني السجائر وصلت إلى 60 في المئة لدى الرجال، فيما تعدّت 24 في المئة عند النساء. ووصلت نسبة تدخين النارجيلة إلى قرابة 20 في المئة لدى الرجال و 6 في المئة لدى النساء. واعتبرت دراسة أن هذه النسب هي من الأعلى عالمياً، ما يجعلها أقرب إلى الكارثة الصحية. وفي أوقات متنوّعة ومتواترة، شنّت مصر حرباً شرسة ضد التدخين في أشكاله كافة، بهدف حماية صحة المواطنين، خصوصاً الشباب ممن تقلّ أعمارهم عن الثامنة عشرة. ومنذ سنوات عدة، تقرّر إغلاق المقاهي التي تفتح أبوابها للطلاب الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة، ومنعهم من تدخين الشيشة. كما ظهر قانون هدفه حظر الإعلان عن منتجات التبغ في وسائل الإعلام، وإلزام شركات إنتاج التبغ بأن تعلن عن الأمراض التي يسبّبها التدخين. وبحسب أرقام رسمية، تضمّ القاهرة ما يزيد على عشرة آلاف مقهى، وقرابة ألفي كافتيريا ومئات من مقاهي الإنترنت. ويرجحّ أن الأرقام الفعلية أكثر من هذا كثيراً. وعرفت مصر المقاهي في عصر محمد علي باشا، وكان روادها يدخنون «الجوزة»، وهي ثمرة جوز هند مُفرغة. وتطوّرت الجوزة إلى شيشة في بداية القرن العشرين. واستُبدِل جوز الهند بإناء الزجاج، وحلّ البلاستيك بديلاً من عصا الغاب المجوّفة. وسايرت المقاهي التقدم التكنولوجي، فأدخلت الراديو ثم التلفزيون والفيديو والأتاري وأخيراً الكومبيوتر والإنترنت، على رغم أن ال «ويب» أفرزت مقاهيها الخاصة. وتفاعلت المقاهي المصرية مع الثورات، بل أفرزت مؤيدين لثورتي 1919 و1952، وتفاعلت مع حربي 1967 و1973، إضافة إلى تفاعلها المعروف حالياً مع مباريات كرة القدم. ويحتاج دور المقاهي في «ثورة 25 يناير» وما بعدها إلى نقاش أكثر اتّساعاً.