فجأة وبلا مقدمات، تسلل الرعب إلى أفئدة سكان مكةالمكرمة، واكتنفت رؤية ضبابية مستقبلهم الصحي، بعد تسارع انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير في العاصمة المقدسة، وتزامن ذلك التسارع مع إطلالة المواسم الدينية التي تشهد اكتظاظاً بشرياً منقطع النظير، بسبب تهافت المسلمين من شتى أصقاع الكرة الأرضية صوب البيت العتيق، للظفر بثواب أداء المناسك والشعائر الدينية. وشكّلت وفاة عمدة حي العزيزية في مكةالمكرمة سالم الهيج عصر الأربعاء الماضي متأثراً بإصابته بالفيروس الحديث، ويمكن اعتبار وفاة العمدة بمثابة الشعرة التي قسمت ظهر البعير، خصوصاً أن ذويه شنوا حملة شعواء ضد مديرية الشؤون الصحية في العاصمة المقدسة، إذ اتهموا الكادر الطبي بالتسبب في وفاة العمدة الهيج، «كونه لم يتلق العناية الطبية اللازمة من احدى الفرق الطبية في احد المستشفيات الحكومية في مكةالمكرمة». وتقدم شقيق العمدة المتوفى رجل الأعمال عبدالله الهيج بشكوى ضد مستشفى حكومي في مكةالمكرمة، اتهم خلالها الكادر الطبي بالتواني عن تقديم العناية والرعاية الطبية لشقيقه المتوفى، وقال ل«الحياة»: «عانى شقيقي العمدة سالم فجأة من سخونة حادة ورشح، راجع على إثرها المستشفى الحكومي (تحتفظ الحياة باسمه)، وبعد معاينة الأطباء له صرفت له المهدئات والمضادات الحيوية، وأجري له تحليل للاشتباه بإصابته بأنفلونزا الخنازير لم تظهر نتيجته حتى الآن، على رغم أن شقيقي توفي وووري جثمانه الثرى، ما يفتح الكثير من علامات الاستفهام حول جاهزية ومهنية بعض العاملين في القطاعات الصحية في السعودية، التي لا تزال لم تتفاعل بالشكل المطلوب مع هذا الوباء الفتاك». وعلى خط مواز، كشف مدير العلاقات العامة والإعلام والناطق الإعلامي في مديرية الشؤون الصحية في العاصمة المقدسة فايق حسين، أن المديرية فتحت ملف التحقيق في الشكوى المقدمة من شقيق العمدة، مشيراً إلى أن التحقيقات لا تزال متواصلة، وستتم محاسبة المتسبب في حال إثبات وجود أي تقصير شاب الخدمات المقدمة للمريض. إلى ذلك، تفاعلت الأوساط الاجتماعية في مكةالمكرمة مع وفاة عمدة حي العزيزية سالم الهيج، وانعكس رحيله سلباً على المكيين الذين بدأوا الدوران في دوامة من الظنون والتخيلات، تصب جميعها في بوتقة خطر أنفلونزا الخنازير المحدق بهم، وطاولت «الدوامة» مختلف شرائح المجتمع المكي، إذ ضمت المثقفين والجهلاء والتجار والعمال، ولم يسلم منها العاملون في المسجد الحرام، الذين بات ديدن كثير منهم تغطية اليدين واصطحاب «جل» تعقيمي معهم في حلهم وترحالهم، وتغطية وجوههم بمجموعة من الكمامات الطبية، وتوجس الخيفة وأخذ الحيطة والحذر. وداخل المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد الحرام، يبدو جلياً للزائر هناك حجم القلق من تفشي فيروس أنفلونزا الخنازير، إذ يلمح المتجول هناك شرذمة من المعتمرين تجمهروا هنا حول أحد باعة الكمامات الطبية، وتظهر هناك مجموعة أكبر من ضيوف الرحمن يحيطون بأحد مندوبي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، يصحبه آخر يتبع لوزارة الصحة اتفقا على توزيع الكمامات الطبية الحديثة على زوار بيت الله الحرام، الذين يحرص بعضهم على الحصول على كمية من الكمامات تكفيه وذويه لأيام. وتتحول ملامح محيا أحد العاملين في إحدى الشركات الخدمية في المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد الحرام يدعى أنور سمباوة وتظهر عليه علامات الوجل ما ان يفارق منزله متوجهاً إلى مقر عمله، «أقحمني عملي في دوامة من الشك والريبة والخوف لا نهاية لها، أنظمة شركتي تمنع الحصول على إجازات في المواسم الدينية، لذا أجبرت على الدوام وسط هذا الزحام، ولا أدري هل سأندم على ذلك، حقيقة أتوقع إصابة أحد العاملين في الشركة بالفيروس المسبب لأنفلونزا الخنازير، انظر إلى هذا المد البشري الكبير من المسلمين، لابد أن أحدهم مريض، ولو مر بقربي لنقل العدوى لي، اتخذت كل الإجراءات الوقائية، لكنني أحس بأنني نسيت شيئاً، الله يستر». من جهة ثانية، امتعض الاستشاري الدكتور مختار محمد محمود مختار من شح جرعات المصل المخصص للتطعيم ضد الأنفلونزا الموسمية في مكةالمكرمة وعدم توافره بالكميات المطلوبة، وشدد على ضرورة توفيره في جل المستشفيات الحكومية والأهلية في العاصمة المقدسة، وطالب بتنظيم حملة طبية تهدف إلى التوعية بأضرار أنفلونزا الخنازير وأعراضها، تلامس كل شرائح المجتمع، مشدداً على ضرورة أخذ الحيطة والحذر من سبل انتقال الفيروس المسبب للمرض، وحذر من استخدام الكمامات الطبية «العادية»، كونها لا تقي من انتقال الفيروس، مطالباً بضرورة شراء الكمامات الطبية الحديثة، التي تعتبر الوسيلة الأمثل للوقاية من الفيروس.