سألها السائق عن خطة العائلة للإجازة الصيفية لأنه يرغب في السفر لزيارة أهله بمصر! سفره سيشكل أزمة حقيقية هذا العام خصوصاً أن سائق أهلها، وأهل زوجها سيسافران في الوقت نفسه، ولن تتمكن من الاستعانة بهما كما جرت العادة. قالت له بحرج شديد: «لن نسافر هذه السنة، ولكن لا استطيع أن أطلب منك البقاء». ولأنه يتمتع بصفة «الجدعنة» المصرية قال أنه لن يسافر إذا لم يفعلوا، فقبلت! من أبسط الحقوق الإنسانية للسائق المغترب أن يحصل على إجازة سنوية مدفوعة الأجر كأي موظف. فهو إنسان له متطلبات وعليه مسؤوليات أسرية، ولكن حاجتنا اليائسة إليه تمنعنا في كثير من الأحيان من الاعتراف بحقوقه، وتدفعنا إلى تجاهلها لأنها تصطدم ببعض حاجاتنا الأساسية. فالأسرة بشكل عام والمرأة خصوصاً تعتمد على السائق بشكل رئيسي كونها لا تقود السيارة، وسيلة المواصلات شبه الوحيدة المتاحة، وبالتالي الرجل لا يمكن تحت أي ظرف أن يلتزم بمواعيد عمله، وتحمل أعباء أسرته في المواصلات، وتخليص مشاويرها ابتداء من التوصيل إلى المدارس أو العمل وصولاً إلى طلبات المنزل وحتى الترفيه، وهو ما يضطر الأسرة إلى الاعتماد على السائق بشكل مستمر. فإجازته أو اختفائه «يشل» حركة الأسرة وبخاصة النساء. ستتفاقم أزمة البحث عن سائق عند انتهاء مهلة تصحيح مخالفات نظامي الإقامة والعمل. فالعامل لا يحق له أن يعمل لحسابه الخاص أو لدى صاحب عمل آخر، ما سيؤثر بشكل مباشر على سائقي «المشوار»، وعلى غيرهم من السائقين الذين يعملون لحسابهم الخاص بعد أن قاموا بشراء «تأشيرة عمل» ويدفعون مبلغاً سنوياً/شهرياً لصاحب العمل مقابل السماح لهم بالعمل الحر. فكيف ستتنقل المرأة؟ كيف ستتحرك؟ كيف تخرج إلى عملها أو جامعتها؟ كيف تقضي حاجاتها الخاصة بالعمل أو البيت أو الأطفال؟ من تملك سيارة ولديها قدرة مادية كانت «تستقدم» سائقاً بمبلغ يصل إلى 15000 ريال، وعندما يسافر السائق أو يتخلف عن العمل، كانت تستعين بغيره ممن يعملون لحسابهم الخاص. ومن لا تملك سيارة كانت تتعامل مع سائقي «المشوار» مقابل مبلغ يومي أو شهري، وشريحة أخرى تعتمد مضطرة على الليموزين في مشوار يكلف أقله 30 ريال ذهاباً وعودة. خلال سنتين فقط تم توظيف أكثر من160 ألف امرأة في القطاع الخاص كبيع المستلزمات النسائية، وصناديق المحاسبة، والمطاعم العائلية، والمصانع، وغيرها. ومن تعمل في هذه النوعية من الوظائف تتقاضى راتباً شهرياً لا يزيد على 3500-4000 ريال، وتتحمل مشقته بسبب الحاجة المادية، ومع ذلك تنفق جزءاً كبيراً من دخلها الشهري على المواصلات المتاحة. فالمرأة ليست فقط ربة المنزل أو المعلمة التي تذهب مع أبنائها إلى المدرسة وتعود معهم، بل دخلت إلى قطاعات مختلفة، وستدخل أعداد أكبر إلى سوق العمل، إضافة إلى غيرهن من النساء العاملات أو غير العاملات اللاتي لا بد وأن يتمتعن بحقهن الإنساني والطبيعي في الحركة. وفور انتهاء مهلة تصحيح مخالفات نظامي الإقامة والعمل بتاريخ 3 تموز/يوليو 2013، ستبدأ حملات تفتيش جادة لتطبيق النظام على المخالفين من أصحاب العمل والعمالة الوافدة. فما الحلول المطروحة أمام النساء لتسهيل حركتهن؟ هل يتم نقل «كفالة» أو «استقدام» سائق جديد في حالة الإجازة السنوية للسائق الخاص؟ وماذا عن اللواتي لا يستطعن تحمل كلفة الاستقدام أو لا تنطبق عليهن شروطه؟ ماذا عن سائقي «المشوار» الذين تعتمد عليهم فئة كبيرة جداً من النساء، وكيف سيكون وضعهم بعد انتهاء المهلة؟ هل يمكن الاعتماد فقط على سائقي الليموزين والذين يعمل معظمهم لحسابهم الخاص؟ في ظل غياب شبكة مواصلات ونقل عام، ومع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة تتفاقم الأزمة، لا سيما أن السماح لها بذلك لا يبدو خياراً يلوح في الأفق القريب، ويبدو واضحاً في تصريحات المسؤولين، فتارة ليس هناك نص يمنع، وتارة الأمر يرجع للمجتمع، وتارة هي تمنع من أجل الحفاظ على سلامتها، وأحياناً ليست من الأولويات، والنتيجة تُحرم المرأة من حقها البديهي في الحركة باستخدام وسيلة المواصلات المتاحة، ولا تتوافر أمامها خيارات عملية لتسهيل حركتها، فما الحل؟! [email protected] @daliagazzaz