«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا: أكثر من مجرّد كبسة زر
نشر في الحياة يوم 26 - 05 - 2013

لم يكن الخبر الإقليمي الأهم خلال الأسابيع القليلة الماضية تورّط قوات «حزب الله» اللبناني المسلّح علناً في ما وصف بعمليات القتل والتطهير الطائفي في بلدة القصير في سوريّة. ولم يكن بأية حال السبق الصحافي الذي تباهت بتحقيقه قناة «الميادين» عن إلقاء القبض على عربة إسرائيلية في هذه البلدة السورية المحاذية للحدود اللبنانية، يغلب الظن أنها من غنائم حزب استقدمتها قواته معها من لبنان، لأغراض متعددة.
كما لم يكن هو الضربة الإسرائيلية القاسية لمواقع الجيش العربي السوري وقواته، ولا أيضاً تلك الرصيصات التي أطلقت على عربة إسرائيلية كانت تمرّ في هضبة الجولان، فردّت إسرائيل بتدمير الموقع السوري. ولا تلك الطرفة التي كشفت عن حسّ الفكاهة الذي يتمتع به قدري جميل حين أعلن عن إنشاء قوات مقاومة لتحرير الجولان المحتل.
لا، ولم يكن لقاء كيري لافروف الخبر الإقليمي الأهم، ولا مؤتمر أصدقاء سوريّة، ولا منع رفسنجاني من الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية الإيرانية، هذا المنصب الإداري الذي يمسخ «رجُل الدولة» في دولة ولاية الفقيه إلى «رِجْل كرسي»!
الخبر الإقليمي الأهم لم يكن سياسياً، ولا عسكرياً، ولا ديبلوماسياً. بل كان خبراً عابراً، في نشرات الأخبار الاقتصادية، يقول إنّ تركيا، بعد اتفاقية تسديد استمرت 19 عاماً، أغلقت ملف ديونها لصندوق النقد الدولي.
وفي تفاصيل الخبر أنّ تركيا أغلقت صباح الثلاثاء 14 أيار (مايو) الجاري، ملف ديونها للصندوق بأن سددت الدفعة المستحقة الأخيرة ب «ضغطة زر»، قام بها علي باباجان نائب رئيس الوزراء التركي للشؤون الاقتصادية، على «زر» الكومبيوتر لتحويل الدفعة الأخيرة من الديون التركية إلى حساب الصندوق وتصفير ديونها له وغلق ملف الديون الذي استمر لفترة 19 عاماً.
والواقع أنها كانت أكثر من مجرّد كبسة زر! فقد سددت تركيا حوالى 422 مليون دولار هو القسط الأخير للإيفاء بقرض 23.5 مليار دولار، استدانتها في 2002 كي تواجه تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي عاشته البلاد خلال الفترة من 1999 إلى 2001.
والواقع أن عمر القصة يتجاوز 19 عاماً، إذ إنها بدأت مع مطالع الستينات، حين اقترضت تركيا للمرة الأولى من صندوق النقد الدولي في 1961، لتحتل بعد عقود المرتبة الثالثة عالمياً (بعد الفيليبين وأوروغواي) في قائمة الدول الأكثر اقتراضاً من الصندوق، في حقبة يذكرها السوريون جيداً، حين كان يمرّ الأتراك (كنّا نطلق عليهم في صغرنا اسم «حجي بابا») بحلب وحمص ودمشق، ليشكّلوا ظاهرةً غريبة من «السياحة الفقيرة»، وينشئون خلال رحلتهم الطويلة إلى الحج أسواقاً شعبية موقتة في هذه المدن، يبيعون أو يقايضون فيها سلعاً متنوعةً، خفيفة وشعبية، من المسابح إلى الزيتون إلى السجاد. وهذا كان يحصل في بلاد – هي سوريّة - بدأت تعاين تغيّرات اجتماعية سياسية عاصفة من الوحدة السورية- المصرية مروراً بالانفصال وصولاً إلى انقلاب آذار (مارس) 1963، ترافقت مع رحلة انحسار اقتصادي عميق جرّاء عمليّات التأميم الجائرة، وخطوات الإصلاح الزراعي غير العلمية، وما رافقها من تسرّب رؤوس الأموال السورية إلى خارج الحدود، وغروب شمس الصناعات السورية – خصوصاً النسيج - التي كانت في الخمسينات تتبوأ مكانة متقدمة في بلدان العالم الثالث، إن لم نقل عالمياً.
وتتابعت رحلة الاقتراض التركي على مدى أكثر من خمسة عقود، لتصل قيمة القروض الإجمالية إلى نحو 50 مليار دولار، كان آخرها فقط قرض 2002 بقيمة 23.5 مليار دولار، في مسيرة متعرّجة لكنّها دؤوب، انتهت هذا الشهر حين أعلن باباجان للصحافيين في حفل مهيب عن أن تركيا تحوّلت هذا اليوم من دولة مُدينة إلى دائنة، إذ إنها قدمت في السنوات الماضية قروضاً مالية إلى دول ومؤسسات تنموية عدة، كاشفاً عن مفاوضات تجريها تركيا مع الصندوق لإيداع خمسة مليارات دولار في صندوق مخصص لمواجهة الأزمات المالية الطارئة ويقدم القروض للدول المحتاجة.
وفيما تواصل اليونان الجارة، وغيرها من دول أوروبا، الغوص في قاع أزمة اقتصادية مستحكمة، كان من البدهي أن يعزو باباجان نجاح بلاده المشهود هذا إلى الاستقرار السياسي الذي تنعم به منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة منفرداً في 2002. لكنّ الأكيد أن تركيا، الدولة الفقيرة بالطاقة، أجرت إصلاحات مالية واقتصادية تصبّ في خانة «الحكم الرشيد»، هي التي حققت لها، بعد قرضها الأخير الأضخم، النجاح في «معالجة الاختلالات التي عصفت بالاقتصاد التركي مع انهيار العملة وارتفاع معدلات التضخم وعجز الموازنة في عقد تسعينات القرن العشرين».
والحال أن هذا الخبر، إضافة إلى خبر تقديم تركيا قرضاً لمصر بقيمة 1.2 مليون دولار، يثير الكثير من المقارنات مع التجارب الإقليمية الأخرى، في إيران ودول الخليج ومصر وأوروبا الشرقية بل حتى إسرائيل، لكنّ الدروس الأهم التي يقدمها هي أنْ ليس بالنفط وحده تُبنى الاقتصادات، وليس بالسلاح النووي يُبنى الحضور الإقليمي والعالمي، وليس بتكديس السلاح أو بالشعارات الجوفاء ترتقي الشعوب. ولعلّ الدرس الأعظم هو أن التاريخ يتيح للشعوب دوماً مهلة جديدة للارتقاء بنفسها وحل مشكلاتها إذا ما تيسّرت لها الإدارات الرشيدة، سانحةً تطوي فيها صفحات بؤس مديد، لتتوّج بكبسة زر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.