كان تصفيقاً كبيراً ذاك الذي تلا العرض الأول لفيلم «ماي سويت بيبرلاند» للمخرج الكردي هينر سليم، في مهرجان كان السينمائي. لم يفاجئ التصفيق أحداً، بمن فيهم أولئك الذين وجدوا أن جزءاً أساسياً من الفيلم لا يستحق أي تصفيق، فالفيلم آت من واحدة من مناطق العواصف في العالم، وهو بالتالي، أسوةً بالسينما الفلسطينية والأفغانية واللبنانية وحتى الإيرانية، شرط أن تكون معارضة أو تحمل شبهة اعتراض، سينال التصفيقَ الذي تستحقه القضية، وخصوصاً إذا كان مخرجُه تقدمياً ليبرالياً، على الأقل في تصريحاته الصحافية إن لم يكن على شاشة فيلمه نفسها. تلك هي عادةً، في مهرجان كان أو في غيره - قواعد اللعبة، فمن ذا الذي سيعطي نفسه ترف خرْقِها؟ لا نريد القول إننا لسنا هنا مرة أخرى أمام فيلم من الأعمال السينمائية الجيدة التي بدأت تفرض نفسها في السنوات الأخيرة، وتفرض على عالم السينما أيضاً مواضيعَها الجديدة وجغرافيتَها الغرائبية ونواياها الطيبة، الكثيرَ من النوايا الطيبة. ولهينر سليم نفسه باعٌ مبهر في هذا المجال، سواء أحقَّقَ فيلماً كردياً أم آخر فرنسياً، وهو وإن لم يكن المخرجَ الوحيد الآتي من كردستان العراق، فإنه الأشهر اليوم، والمبدع الذي ينتظر كثرٌ أعماله الجديدة. والحقيقة أن الانتظار هذه المرة كان كبيراً ومشروعاً، طالما أن سليم عاد هنا ليصور موضوعاً كردياً في كردستان نفسها، ومن تمثيل فاتنة السينما الإيرانية المشاكسة، والمغضوب عليها من سلطات بلادها بالتأكيد، غولشفتي فرحاني، كما من إنتاج السينمائي الفرنسي الأرمني الأصل روبير غيديغيان. الحال أن هذا شكَّل منذ البداية ضمانة لفيلم سبقته سمعة طيبة وحققه مخرج صار في رصيده عدد من الأفلام المتميزة، ولربما يمكن القول إن الفيلم، من ناحية ما، استجاب للتوقعات، ولكن ضمن حدود ضيقة جداً. فهو في موضوعه الذي يتأرجح بين أفلام الوسترن الأميركية، ولكن على الطريقة الشرقية، وحكايات الحب النازعة إلى أسطورية ما، وبين الخطاب السياسي والأيديولوجي، من منظور الأفكار التقدمية والتطلع صوب تحرر المرأة، تمكَّن من أن يقول أشياء كثيرة. ولكن، قد يصح القول إن كثرة هذه الأشياء أتت عبئاً على سيناريو ضعيف ومفكك يفتقر إلى الخط الدرامي، حتى ضمن منطقه الخاص. والمشكلة أن المخرج إذ اعتمد، كنوع من التعويض غير الواعي عن تهافت السيناريو، على تصوير مميَّز لبيئة الشمال الكردستاني الرائعة، لم يدرك أن البيئة المحيطة وجمال الوجوه والموسيقى الرائعة، المحلية التقليدية والمبتكرة، ناهيك عن الاداء الجيد كالعادة، والذي قدمته فرحاني، قد تكفي لتحقيق عمل وثائقي أو فيلم سياحي، لكنها لا تنقذ نصاً سينمائياً لم يتمكن من قول أي شيء. فمثلاً: يقول ملخص حكاية الفيلم إن البطل باران ذهب إلى المنطقة النائية ليفرض القانون، لكننا لم نر مشهداً واحداً يفصّل ذلك. ثم أين هو الصراع بينه وبين عزيز، سيد المنطقة و»قبضايها»؟ وأين هم أهل المنطقة؟ فحتى مساعد الضابط سرعان ما يختفي... لتحل المشاكل في النهاية بطريقة بدائية ساذجة يُقتل فيها من يُقتل بأيدي نساء مرتديات الزي العسكري لا يقول لنا الفيلم من هنّ وماذا يفعلن هنا! مع هذا، كان الفيلم بدأ في مشاهده الأولى بداية رائعة تحمل عمقاً سياسياً وطرافة وأبعاداً إنسانية تَعِد بالكثير، وذلك قبل أن يتحول إلى تلك ال «ويسترنية»، التي يبدو أن المخرج أراد من خلالها إبهار متفرجيه، الذين يبدو أنهم انبهروا بالفعل بجمال المنطقة الأخّاذ إلى درجة أنهم تغاضوا عن سذاجة الموضوع وسذاجة معالجته، مكتفين لاحقاً بالعثور على إجابات على أي اسئلة قد يكونون طرحوها على أنفسهم في كتيّب الفيلم، حيث ثمة حوار مسهب مع المخرج يُسأل فيه مثلا: «... ولكن من هي هذه المجموعة من النساء التي تظهر وتقاتل لتحسم النهاية؟»، فيجيب: «إنهن من المقاومة الكردية في تركيا». حسناً، كل شيء هنا بات واضحاً، فلماذا لا يوزع الكتيّب على المتفرجين في الصالات لاحقاً، على سبيل التوضيح؟