كان مركز العودة الفلسطيني أطلق حملة بعنوان: «بريطانيا... حان وقت الاعتذار». تهدف إلى جمع تواقيع على عريضة تطالب الحكومة البريطانية رسمياً بالاعتذار عن وعد بلفور وما تلاه. ما هي فلسفة هذا الاعتذار وما نفعه؟ أعدد عشر نقاط يحسن التفكير فيها وهي توجز بعض ما ورد في محاضرة ألقيتها في 24/8/2012 في مدينة تامبيري - فنلندا، بدعوة من المعهد الفنلندي للشرق الأوسط: 1 - يُساهِم الاعتذار في تخفيف حدة العلاقات بين الدول والشعوب، وفي بلسمة جراح ولدتها مظالم تاريخية. 2- فُرِضَت الاعتذارات، في عصرنا الراهن، على دول هزمت في الحروب. 3- تقدّم الاعتذارات أيضاً من بعض الدول أو الهيئات نتيجة شعور أخلاقي بظلم أوُقع، بغض النظر عن هزيمة في حرب. اعتذارات قداسة البابا يوحنا بولس الثاني مثال باهر. 4- تتباين الاعتذارات في صياغتها، بعضها واضح وبعضها أقل وضوحاً يركز على الأسف أو قد لا يتجاوز الشرح. 5- في بعض الأحيان، يلتبس أمر الاعتذار. قد يعتبر طرف في خلاف تعبيراً معيناً بمثابة اعتذار، في حين لا يرى فيه الطرف المقابل اعتذاراً. أوضح مثال على هذا الأمر «اعتذار» دي كليرك، رئيس جنوب إفريقيا الأبيض، وهو اعتذار يُؤَرّخ به لبدء تهاوي نظام الفصل العنصري هناك. 6- خير الاعتذارات ما يتم التفاوض عليه بين الطرفين تفادياً لأي لبس. 7- يفترض الاعتذار أن الماضي شهد وقوع خطأ. ثمة أخطاء كان مسموحاً بها في الماضي لكنها أصبحت محرمة الآن . هكذا شأن الاسترقاق. وهكذا يتطور شأن الاستعمار وعقابيله. 8- ليس التمييز سهلاً بين خطأ تاريخي انتهى أمره، وبين خطأ تاريخي مستمرة عقابيله. في سفر أعمال الرسل من «العهد الجديد» ما يقال انه إشارة إلى وثوق العلاقة بين المسيحية واليونان على حساب بُعد العلاقة بين المسيحية وآسيا. تلك إشارة من غير المقبول التسامح معها في عالم اليوم. 9- ماذا يترتب على الاعتذار؟ لا جريمة من دون عقاب، إلا أن العقاب قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً. تأبى دول كثيرة أن تعتذر لكي لا يلزمها تعويض. لعل من المناسب التفكير - تسهيلاً للاعتذار- في الفصل بين الاعتذار والتعويض. 10- هل الاعتذار نهاية مطاف خاطئ تطوى بصدوره صفحة الخطأ ويستمر الوضع كما كان بعد أن تم التبييض؟ أم أنه بداية لتصحيح الوضع الخاطئ؟ ليس ثمة جواب سهل. تحدد الظروف مآل الاعتذار. هي نقاط عشر وقد تمتد إلى مئة إن شئنا التفصيل. فلنفكر فيها وفي غيرها. يستحق الاعتذار منا تفكيراً عميقاً. بل قد تدفعنا الحماسة للاعتذار إلى النظر في إمكان إضفاء «شرعية دولية» عليه بإنشاء جهاز في الأممالمتحدة يُكلَّف بدراسة جدية حالات المطالبة به. في إهدائي الطبعات الخمس من كتابي «وعد بلفور» خاطبت القادة العرب انهم حين يجتمعون في قمة هم المسؤولون قبل غيرهم عن المطالبة باعتذار. ومن المفيد أنني حصلت على التزام من جامعة الدول العربية بإصدار بيان سنوي يتحدث -إلى حد ما- عن بشاعة الوعد. وبالفعل أصدرت الأمانة العامة أول بيان لها بهذا الشأن في 2/11/2007، أي في مناسبة الذكرى التسعين. ولاتزال تتبع النهج ذاته. إلا أن العمل الأجدى ينطلق من القمة وبتوقيع القادة العرب. * كاتب سوري