دعت صحيفة «هآرتس» العبرية في افتتاحيتها أمس الحكومة الإسرائيلية إلى الكف عن «إعادة كتابة» تاريخ أحداث عام 1948 بهدف بلورة «الوعي التاريخي» ونفي النكبة التي لحقت بالشعب الفلسطيني مع إقامة الدولة العبرية. وقالت إنه حان الوقت لتعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن اقتلاع مئات آلاف الفلسطينيين في «حرب الاستقلال» (احتلال فلسطين) ومنعهم من العودة إلى ديارهم، بدلاً من مواصلة تكريس جهود كبيرة، خصوصاً على الصعيد التربوي، لدحض إفادات يمكن أن تؤكد حصول «نكبة». وأشارت الصحيفة إلى البحث الأكاديمي الذي طلبه رئيس الحكومة الأول ديفيد بن غوريون من معهد «شيلواح» للأبحاث (نشرت عنه «الحياة» في عددها السبت الماضي) بهدف تدعيم الادعاء الإسرائيلي بأن مئات آلاف الفلسطينيين نزحوا عن منازلهم وقراهم طوعاً ولم يتعرضوا الى الترحيل المبرمج. وأضافت أن معهد الأبحاث لم يكن أكاديمياً تماماً إنما ارتبط بعلاقات وثيقة مع الجيش ومؤسسات الدولة، وجاء باستنتاجات مفادها أنه لم يكن لعمليات الجيش الإسرائيلي تأثير جدي على نزوح الفلسطينيين. وأعرب كاتب الافتتاحية عن أسفه من أن أبحاثاً إسرائيلية علمية صدرت في السنوات الأخيرة أكدت مسؤولية إسرائيل عن «النكبة الفلسطينية»، لم «تتغلغل» أو تصل إلى طلاب المدارس الثانوية اليهودية بفعل قرار وزارة التربية والتعليم «التي سيطرت عليها لسنوات كثيرة جهات متطرفة قومياً» منع تلقي الطلاب مواد «تشوّه» الرواية الإسرائيلية القائمة على نزوح طوعي للفلسطينيين. وتمنت الصحيفة على وزير التربية والتعليم الجديد من حزب «يش عتيد» الوسطي شاي فيرون أن يتيح لطلاب الثانويات التعلم في دروس «المواطَنة» في كتاب وضعه قبل ثلاثة أعوام مركز متخصص بكتب التعليم يعطي صورة مغايرة (وقريبة من الحقيقة) عن أحداث عام 1948 ويستخدم كلمة «نكبة» للمرة الاولى في كتب التدريس. وكان الوزير السابق القطب في «ليكود» اليمين جدعون ساعر منع نشر الكتاب بل بلغ به الأمر فصل المسؤول عن قسم «دروس المواطنة» في الوزارة عن العمل. ويتناول الكتاب بتعمق أحداث عام 1948 ويحاول أن يلامس حقيقة ما جرى، إذ يشير في إحدى صفحاته إلى النقاش بين الشعبين اليهودي والعربي في إسرائيل عن أي منهما هو الشعب الأصلي في هذه الأرض، «فالطرفان يريان في هذه البلاد وطناً لهما، وأوساط واسعة في الجانبين ترى أن هذه البلاد ليست وطن الشعب الآخر ... هناك يهود يدعون أن معظم العرب ليس من مواليد هذه البلاد إنما مهاجر، وهناك عرب يرون أن اليهود الحاليين ليسوا من سلالة اليهود الذين عاشوا هنا في القِدَم». كما يتطرق الكتاب إلى رواية كل من الشعبين التاريخية، ويتناول أولاً النظرة اليهودية الصهيونية ثم الفلسطينية «التي تقول إن «الفلسطينيين، وبضمنهم العرب في إسرائيل، يرون في أنفسهم أصحاب هذه البلاد الأصليين ومواطنيها منذ أجيال». ويضيف أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر، شرعت الحركة الصهيونية في شراء أراضي كثيرة وإقصاء العرب عنها، وفي حرب 1948 هدم اليهود مئات البلدات العربية وطردوا مئات آلاف العرب الذين انتشروا في المنطقة، وبعضٌ منهم بقي في دولة إسرائيل، أو في قراه أو أصبح مهجراً داخلياً يقيم في بلدة محاذية لقريته التي هدمت». ويضيف: «وخلال السنوات، تمت مصادرة أراض عربية كثيرة، وتم التمييز ضدهم في مجالات الحياة ... لكن دولة إسرائيل لا تعترف بهذا الغبن الذي سببته للعرب ولا تسمح للمهجرين الداخليين بالعودة إلى قراهم، ولا تمنح المواطنين العرب مساواة في الحقوق، وفي الوقت ذاته تطالبهم بالولاء لها». وأشارت «هآرتس» إلى أن هذه الفقرة كانت وراء منع وصول الكتاب إلى المدارس اليهودية وإعادته إلى الدرج. وللمرة الاولى، يستخدم الكتاب مصطلح «النكبة» الذي ما زال محظوراً في المدارس، إذ تشير إحدى الفقرات إلى أن «الغالبية المطلقة من العرب الذين سكنوا في المساحة التي ضمتها حدود إسرائيل، نزحوا بفعل ظروف الحرب عام 1948 أو طردوا منها، وحكومة إسرائيل قررت عدم إعادتهم». كما يتطرق الكتاب إلى جملة موضوعات تفادت وزارة التعليم منذ قيام إسرائيل وحتى اليوم التطرق إليها في كتب التدريس بالعبرية، مثل الحكم العسكري الذي فرض على المواطنين العرب لعقدين من الزمن والمعركة لإلغائه، وعدم المساواة في التشغيل والخدمات الرفاه الاجتماعي والبنى التحتية في البلدات العربية، ومسألة الهوية، ومهجري إقرث وبرعم ومكانة البدو في النقب وغيرها. وختمت الصحيفة المحسوبة على التيار الليبرالي افتتاحيتها بالتأكيد على أن «النكبة الفلسطينية تستوجب اعترافاً إسرائيلياً لأنه من دون هذا الاعتراف لا يمكن أن يفهم اليهود أساس الصراع مع العرب والتوصل إلى مصالحة تاريخية معهم ... هذه ليست مهمة وزير التعليم وحده، إنما أيضاً رئيس الحكومة».