أربع سيدات شرطة مصريات تمت ترقيتهن لرتبة لواء، وتمّ التجديد لأخرى كانت حصلت على الترقية العام الماضي، هي الدكتورة عزة الجمل، مديرة مستشفى الشرطة. فكان ذلك الحدث بمثابة بصيص أمل لشرطيات أخريات يأملن في الوصول إلى تلك الرتبة فيصبحن «هوانم» برتبة لواء، بعد عملية الترقية الأخيرة التي قام بها وزير الداخلية محمد إبراهيم، بعدما كانت النساء يُحلن الى المعاش عقب ترقيتهم لرتبة عميد. في هذه المناسبة، حاورنا اللواء فاتن أبو لمون، مدير الإدارة العامة لاتحاد الشرطة الرياضي، وهذا نص الحوار: *كيف كانت بدايتك مع الشرطة؟ التحقتُ بكلية الضباط المتخصصين عام 1984، وكنت بين 12 طالبة أخريات، يذكرهن التاريخ لكوننا أول دفعة ضباط شرطة سيدات، وكان للواء عبدالكريم درويش الفضل في ذلك. بدأتُ عملي في إدارة اتحاد الرياضة، وتقلدتُ مناصب كثيرة منها مديرة في الإدارة، فعملتُ في العلاقات العامة، وإدارة التخطيط والمتابعة، ثم عملتُ مساعد المدير لقطاع التدريب، ثم مساعد المدير لقطاع الرياضة. -هل كان هذا القرار مفاجئاً لكِ؟ *قبل ترقية الدكتورة عزة الجمل في العام الماضي لرتبة لواء، كان الوصول لرتبة اللواء بمثابة حلم للمرأة، خصوصاً أن من يمتلكون القرار كانوا غير مقتنعين نهائياً بالمرأة، لكن بعد تولي المشير عبدالفتاح السيسي، وفي عهد وزير الداخلية محمد إبراهيم، تمت ترقيتي وأربع زميلات أخريات لرتبة لواء، وهذا يدل على أننا أثبتنا قدرتنا في الإدارة. نحن نعمل بكل طاقتنا، ولا يوجد بيننا من تُقصّر في عملها، فنحن لم نتقلد رتبة اللواء من فراغ. *ما مدى تعلقك بالرياضة وتأثيرها فيكِ؟ -شعار مبدئي في حياتي هو «العقل السليم في الجسم السليم»، والرياضة هي الهدف الأسمى لي. الرياضة هي الدم الذي يجري في عروقي، فمنذ عامي الثالث وأنا لاعبة جمباز، وبالتحقتُ بكلية التربية والرياضية. وعلى رغم مجموعي العالي في الثانوية، إلا أني اخترت هذه الكلية. رفض والداي ذلك، لكن بسبب شخصيتي القيادية والمستقلة حققت رغبتي، ووالدتي كانت دوماً تقول لي «أنتِ مختلفة، وتفرضين رأيك بحب». كنتُ من المتفوقات في الكلية، وكنت سأُعيّن معيدة، لكن الأقدار غيرت مجرى حياتي، والفضل لأخي الذي كان له السبق في أن التحق بكلية الضباط المتخصصين. *ليس الجمباز رياضة عنيفة كالملاكمة، وعمل الشرطة يحتاج لعنف وصرامة، كيف تحول الأمر للنقيض؟ -إطلاقاً، فلولا تفوقي في رياضة الجمباز والمرونة التي تعلمتها في هذه الرياضة لما استطعت أن أكون ما أنا عليه الآن، وحتى إذا كانت رياضة الجمباز هادئة، إلا أن مواعيد التدريب تُعلم الإنسان الانضباط في حياته أكثر، فتلك الرياضة كانت مُكملة لشخصيتي، ولم تتعارض معي. *كيف كان دعم الأهل والزوج؟ -الدعم في البداية كان من الأهل، أما باقي الدعم فكان من الزوج، وهو من له الأفضل الأكبر، فدعم البيت بدأ منذ أن التحقت بالكلية، أما زوجي فكان معي منذ أن كنتُ برتية نقيب، وهو يسير معي في الطريق منذ البداية، وعاش التجربة كاملة، وله كل الفضل لتحمله دخولي هذا المجال الصعب. لدي ابنتان، الأولى خريجة إعلام، والثانية تدرس في السنة الرابعة، وربيتهما بطريقة ديموقراطية، فكل منهما اختارت الدراسة في المجال الذي تفضله، وهما أيضاً متفهمتان لطبيعة عملي. *كيف وفقّت بين العمل والمنزل؟ -لم أُقصر في بيتي كما لم أُقصر في عملي. كنتُ أتحامل على نفسي كي لا أُقصر في العمل أو المنزل، فأقلل من ساعات نومي، بالإضافة إلى تنظيم وقتي، فبيتي وعملي هما الاثنان معاً الرقم واحد في حياتي، وأتفانى لإسعاد الآخرين سواء في العمل أو المنزل. *هل من الممكن أن نرى سيدة برتية لواء في أقسام أُخرى كالأبحاث الجنائية أو قطاع أمن الدولة؟ -أعتقد أن هذا صعب قليلاً. لا أقول إنه صعب علينا، لكن عمل أمن الدولة يحتاج تدرّجاً معيناً للوصول لرتبة لواء، ولا أعتقد أنه يُوجد سيدة في قطاع أمن الدولة. *كم عدد السيدات في وزارة الداخلية؟ -لا يزيد عن 400، هذا عدد قليل مقارنة بالذكور الذي يدخلون كلية الشرطة بعد الثانوية العامة، أما السيدات فيدخلن كلية الضباط المتخصصين فقط، بالإضافة إلى الفكر الذكوري السائد في المجتمع، الذي يعتقد أن هذا المجال ليس للسيدات، وبالتالي فإن دخول المرأة في عمل ذكوري بحت كان تحدياً صعباً. *كيف تغلبتن على هذا التحدي؟ -تغلبنا على هذه العقبة من خلال فكرنا وأدائنا الذي من خلاله أثبتنا قدرتنا ونجاحاتنا، فمن الطبيعي ونحن في مجتمع شرقي أن نرى بعض الغيرة من الزملاء، وكامرأة نتعامل على إذابة أي شائبة تشوب عقل الضابط الذكر، وذلك بالألفة والتعاون والتعامل كزملاء وأخوة، وفي النهاية نحاول ألا نقول هذا ذكر أو أنثى، لأن المُجتمع فُرض عليه منذ واحد وثلاثين عاماً وجود سيدات برتبة ضابط. *حدثينا عن موقف صعب تغلبت عليه؟ -آخر موقف مررتُ به كان يُمكن أن يُحيلني للمعاش، إلا أنه بفضل الله الذي وفقني للتفكير السليم تحولت الإحالة للمعاش لترقية لرتبة لواء. في إحدى الصالات الدولية، كانت هناك مباراة كرة سلة بين فريق «سبورتنج»، والنادي «الأهلي»، وكانت مُذاعة على الهواء. علمتُ أن الألتراس عند البوابات لاقتحام المكان، وفي هذا الوقت كان المدير ونائبه غير موجودين، لذلك كنتُ أنا القائم بأعمالهما. بفضل التفكير العميق والاستعانة بالله ذهبتُ إليهم وحدثتهم أنهم يمكنهم أن يُقيموا الاحتفالات بعد فوز فريقهم، وأن مجرد الاقتحام حتى لو لم يتدمّر أي شيء سيجعل فريقهم خاسراً، لأنها كانت مباراة من دون جمهور، فاقتنعوا ولم يقتحموا المكان، وانسحبوا مع نهاية المباراة، بسبب خسارة فريقهم. لغة الحوار هي الأداة الأساسية لي في عملي، والتحاور بذكاء هو ما ساعدني على امتصاص غضب جمهور النادي الأهلي، الذي يجري وراء فريقه في كل مكان لتشجيعه، ليس بغرض التدمير. الألتراس يريد تشجع فريقه، لكن يحدث أحياناً أن تكون الأعداد كبيرة، والمكان غير مؤهل لاستيعاب كل تلك الأعداد. *هل هناك مواصفات معينة يجب أن تتوافر في المرأة الشرطية تختلف عن الرجل ؟ -طبيعة المرأة عموماً مختلفة عن طبيعة الرجل، وطبيعة المرأة التي تتعامل بالحب، وتستخدمه في أصعب المواقف، ينجح أكثر في احتواء المواقف الصعبة عن استخدام العنف، فتكون النتيجة أفضل. *لكن ألا تخافين أن العاطفة تسود أكثر في موقف يحتاج شدة؟ -اعترض على هذا المبدأ، لا أقول عندما نتعامل بالعاطفة أننا نُعطي عاطفة جياشة، وننسى في النهاية أننا ضباط، ما أقصده أننا نُعطي عطفاً بقدر ما يحتاجه الموقف، والانضباط هو الذي يسود الموقف الذي أتعامل معه. أنا ضد فكرة أن المرأة لا يمكن أن تكون قاضية بسبب عاطفتها، فنحن لا نختلف عن الرجل، بل نختلف كامرأة شرطية عن المرأة المدنية. *كيف ذلك؟ -المرأة الشرطية نتيجة العمل ودراسة مواد مُعينة تؤهلها كي تُثقل من شخصيتها للتعامل مع المواقف الصعبة المضغوطة، وبالتالي التعامل في المجال العسكري بالنسبة للمرأة يختلف عن المرأة المدنية، فنجد مثلاً المرأة الضابط تعمل في الأعياد، بينما المرأة المدنية لا تعمل في المناسبات. لكن المرأة لا تختلف عن الرجل في هذا المجال، وليس هناك عيب إذا قامت المرأة مثلاً بإعطاء منديل لمتهم ما ليجفّف دماءه، فليس شرطاً لكون الإنسان ضابط أن يضرب المتهم، ومن هنا يتغير سلوك المتهم للأفضل، وقد يخرج إنساناً مختلف، وهذا هو مبدأي في العمل، وأراه ناجحاً ولن أغيّره. والصورة السائدة عن ضباط الشرطة أنهم قساة، سواء امرأة أو رجل، غير صحيحة، والاحتواء هو سيد الموقف.