تجمع العشرات عند المكتب الرئيسي لوكالة «أونروا» في منطقة بئر حسن في بيروت. هذه المرة لم تكن المناسبة توزيع المساعدات التي وعدت الوكالة بتقديمها للنازحين الفلسطينيين القادمين من سورية، بل كانت اعتصاماً مفتوحاً يقوم به هؤلاء للمطالبة بما سموه «حياة كريمة» في فترة نزوحهم القسري إلى لبنان. نصبت خيام و «شوادر» في المنطقة الصغيرة الفاصلة بين سور المبنى العالي والكتل الإسمنتية التي تحيط به، وعند الباب الأزرق الضخم وضعت خيمة الاعتصام القاتمة. جميع الوجوه متعبة. الرجال وحدهم كانوا يتحركون بحرية خارج الخيمة، بينما تجمعت النساء داخلها باللباس الأسود حزينات صامتات كأنهن في حال حداد على حياة سابقة خطفت فجأة من بين ايديهن. إلى جانب الخيمة، قام بعض الأطفال «بامتطاء» الكتل الإسمنتية كالأحصنة، علها تأخذهم إلى مساحة خضراء بعيدة من هذا القنوط، مساحة لا برد فيها ولا خوف بل مجرد مكان للعب والركض الحر. أمام قاعة «الشعب» في مخيم شاتيلا كانت محطة البداية. يقول أبو جهاد منصور أحد المشاركين في الاعتصام رداً على تقصير الأونروا في تقديم المساعدات الكافية في الإيواء والغذاء والطبابة، «وكذلك رداً على إهمالها الرد على المذكرة التي قدمناها بهذا الخصوص، قررنا التصعيد ونقل الاعتصام إلى هنا». كان الهدف من الخيمة المرفوعة في الاعتصام أن تكون مجرد رمز يمثل معاناة النكبة الجديدة للفلسطينيين القادمين من سوريا ودليلاً على استمرارهم بالاعتصام حتى تحقيق مطالبهم. ولكنها سرعان ما تحولت إلى مكان حقيقي لإيواء عائلتين من النازحين الذين لم يستطيعوا تأمين أجرة مسكنهم المتواضع في مخيم برج البراجنة، فخرجوا إلى العراء ليجدوا هذه الخيمة بانتظارهم، وفق ما يروي أبو جهاد. وساهمت صعوبة إيجاد فرص عمل وغلاء المعيشة وارتفاع الإيجارات في لبنان، في جعل معاناة الأسرتين تشمل مناحي الحياة كافة. حتى أنها حرمت بعضهم من أن يعيشوا كعائلة واحدة في مكان واحد كما كانوا في سورية، فتوزعوا على أكثر من مكان. أبو خالد، الذي كان متعهد بناء ولديه محلان لتجارة الألبسة، خسر كل أملاكه في مخيم اليرموك نتيجة القصف والمعارك الدائرة هناك، وأصبح حالياً يقيم في خيمة الاعتصام مع زوجته فيما الأولاد مقيمون عند أحد الأقارب. تتشتت عائلته الصغيرة لعدم قدرته على تأمين مسكن خاص، ولم يسفر عن أي نتيجة بحثُه المتواصل عن عمل، وبحزن كبير يقول: «سألت عن عمل في مأوى العجزة وحتى في مركز غسيل الموتى ولكني لم أجد». وتعتبر مشكلة الإيواء من أبرز المشاكل التي يعانيها المعتصمون، ولكنها ليست الوحيدة، فالطبابة أيضاً أزمة حقيقية يجب العمل على حلها من جانب الأونروا. وتقول أم منير، المشاركة أيضاً في الاعتصام بتهكم: «الأونروا وزعت لنا أيام المراجعة الطبية في مراكزها فقط يومي الإثنين والخميس، أي أن على المريض أن يتحمل وجعه حتى اليوم المحدد للمراجعة. ثم عليه أن يشتري الأدوية على حسابه مع علمهم بغلائها وعدم قدرتنا على شرائها». وإلى ذلك، فهناك قضية المساعدات الغذائية التي أصبح الكثير من النازحين يعتمدون عليها بشكل كلي لعدم قدرتهم على العمل في السوق اللبناني نتيجة موانع اقتصادية وقانونية تعيق اعتمادهم على أنفسهم ببعض العمل إن وجد. هذا ما دفع أبا إياد للمشاركة في الاعتصام ومطالبة الأونروا «إما بتقديم مساعدات غذائية كافية ودورية أو بتأمين عمل يعفيهم من مذلة الوقوف أمام المؤسسات الخيرية». الأونروا من جهتها، ردت على المعتصمين منذ اليوم الأول، بإغلاق بابها أمامهم، وهذا ما دفعهم للتهديد بعد حوالى شهرين من بدء الاعتصام بخطوات تصعيدية قادمة إذا ما استمر إهمال المطالب. وكانت نيران الأزمة المشتعلة في سورية طاولت العديد من المخيمات الفلسطينية. فبعد مخيم اليرموك وصلت حممها إلى مخيمات السبينة وخان الشيح والحسينية في دمشق وحندارات في حلب، وهذا كله يشير إلى توقع زيادة أعداد الفلسطينيين الهاربين من أتون الصراع الدائر في سورية، ليفاقم بدوره الأزمة الإنسانية الناجمة عن نزوحهم، والتي يفترض أن تتحملها الأونروا باعتبارها الجهة المسؤولة عنهم. يأتي ذلك في ظل غياب أي دعم حقيقي من قبل الفصائل الفلسطينية العاملة في الساحة اللبنانية، باستثناء اعتصام رمزي لدعمهم أُقيم عند مكتب الأونروا في صيدا وآخر في مخيم البدّاوي. أما المفارقة الغريبة التي يشعر بها المعتصمون، فهي إطلاق الأونروا على نشاط لها في لبنان يمتد ثلاث سنوات شعار «الكرامة للجميع»، وكتابة الشعار بخط كبير على جدار مكتبها هو بشكل أو بآخر ما يسعى إليه المعتصمون. لكن حتى اليوم، لا يزال الاعتصام الذي بدأه من نزحوا قبلهم مفتوحاً ولا يزال باب «أونروا» مغلقاً!