«تعيش مصر أزهى عصور الديموقراطية»... هكذا قالها وزير الإعلام في عهد حسني مبارك. والآن يقولها الرئيس محمد مرسي وأنه سيقيم مصر دولة مدنية ديموقراطية. ونحن ما بين القولين في حيرة وحائرون. بين التاريخ القريب وما كان فيه من كل انواع القهر والظلم والجهل، وبين الحاضر وما نعيشه من سطوة وحكم قلة قادمين من الزمن الماضي السحيق، يتكلمون عن الرفاهية، وعن الديموقراطية. مظلومة الديموقراطية في مصر، ومظلوم كل من تكلم باسمها ولم يحاول أن يمارسها في عمله وفي وطنه. المتسلقون والانتهازيون الذين حملوا لافتات وأوراقاً كتبت عليها عبارات وأشعار وحكم وصور في الأيام الأولى للثورة هم الذين يدّعون انهم هم من أقاموا وأطلقوا ثورة 25 يناير، اصبحوا الآن كتّاباً ومفكرين وأصحاب أقلام وبرامج في الفضائيات، وتاريخهم، إن كان لهم تاريخ، لا يزيد عن انهم بعض الموظفين والعمال الذين ضاقت بهم الحياة، فهرعوا الى ميدان التحرير. هكذا هي مصر، أم الدنيا، وأم العجائب في الوقت نفسه. التناقضات أصبحت سمة وعلامة مميزة لتلك الفترة التي تولت فيها جماعة «الإخوان» مقاليد الحكم وظنوا انهم قادرون على تغيير الدولة لتكون تحت سمع وطاعة قادتها ورموزها... وتجاهلوا الطبيعة المصرية والحكمة المصرية القديمة. رحم الله الدكتور جمال حمدان صاحب «شخصية مصر». ليتهم قرأوا بعضاً من صفحات كتابه في عبقرية المكان، ليعرفوا ان مصر لن تتغير على هواهم. أوروبا وأميركا دفعتا ثمن الديموقراطية وخاضتا الحرب العالمية الثانية، وفقدتا الملايين من أبنائهما، في معارك كثيرة، حتى وضعتا الخطوط الواضحة لمعنى الديموقراطية... والتزمتا بها طوال 75 عاماً مضت. فهل نحن - دول «الربيع العربي» - على استعداد لدفع ثمن الديموقراطية والتضحية بشبابنا وأبنائنا في محاربة عدو يعيش بيننا، ويتحدث لغتنا، ويتبنى أفكار غيرنا؟ لا أعتقد أن هذا الوضع سيستمر طويلاً، فدائماً كانت هناك وقفات تصحيحية في مسار حركة الشعوب نحو تحقيق حياة أفضل. ولا أريد ان أقارن الشعب المصري بشعوب أخرى ولا بقوميات مختلفة. الشعب المصري له خصائص متفردة في كل شيء، حتى في صمته وصبره، فهو يدفع ثمن تحقيق الديموقراطية باهظاً. يدفعه أحياناً بالصمت، وأحياناً من قوته ومعيشته، أملاً بأن يرى أبناءه وأحفاده في حياة أفضل مما عاشها وعاناها، مع كل تلك الأيديولوجيات المتناقضة التي عاشها منذ الحرب العالمية الثانية.