يطلق سمير محمد تنهيدة من القلب، يشاركه فيها أهل عدن ومحبوها، لما وصل اليه الوضع العام في المدينة من انفلات أمني وتعليمي وصحي وبيئي. وحتى البر والبحر لم يسلما من التلوث، الذي ازدادت نسبته أخيراً بسبب عوادم المولدات الكهربائية المنزلية التي بات العدنيون يستعملونها في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي. يقول سمير: «إن الزحف العمراني غير المخطط في المدينة نتج عنه تلوث بصري وبيئي، وصل مداه إلى قمم الجبال والتلال، حيث كان البناء ممنوعاً قبل دولة الوحدة، ولم تسلم من العبث أيضاً المواقع الأثرية التاريخية، ومنها الصهاريج، ساعة ليتل بيغ بن عدن، قلعة صيرة، معبد الصمت، محرقة الفرس». ويضيف: «كما هدمت بعض المساجد وأعيد بناؤها على الطراز الحديث، وكان الأفضل ترميمها والاستعانة باختصاصيين حفاظاً على الإرث التاريخي». وتعتبر قلعة صيرة أحد الرموز الأثرية والتاريخية التي شيدت سابقاً للدفاع عن المدينة. يتحدّث عنها عمرو بغضة: «طاول العبث القلعة، بسبب التوسع العمراني الذي يؤثر في قاعدتها، كما شوّهت جدرانها من الداخل بسبب عوامل التعرية أو بفعل فاعل والكتابة عليها من فئة لا تدرك القيمة التاريخية للقلعة». ويضيف: «المؤلم، أن ثمة من يتخذ من أحجارها مسنداً ليتكئ عليه لمضغ قاته، كما تحولت إحدى زواياها إلى «مرحاض عمومي»، ولم يقف العبث عند هذا الحد، وإنما اختفى عدد من المدافع الأثرية من سفوح قلعة صيرة وبِيعَ كحديد خردة». ويتساءل عمرو: «لماذا لا تحاسب الجهة المسؤولة المخربين، وتشدد المراقبة وتحاسب من يعبث بالقلعة التي تجذب السياح لرؤية جمال المدينة من مكان عالٍ؟ لم كل هذا التشويه لأحد الصروح التاريخية؟». صهاريج عدن ويحرص الزوار والسياح على زيارة «صهاريج عدن» التي تعد من أبرز المعالم التاريخية والسياحية، والتي تدل على عمق الحضارة اليمنية القديمة. والقول الغالب أن بناءها مر بمراحل تاريخية متعددة، أولاها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد «السبئيين». وكلمة صهريج لفظة مستعربة من اللغة الفارسية،وتعني «حوض الماء». ولمنظومة صهاريج الطويلة أهداف متعددة، كتب عنها المؤرخ اليمني عبدالله أحمد محيرز: «إن نظام الطويلة لم يكن هدفه توفير المياه المستهلك فقط، وإنما كان ليعكس نظاماً دينمائياً وتكنولوجياً بارعاً ووجهاً حضارياً فريداً، وهو وسيلة لتلقف الماء عبر جدران حاجزة، إما منحوتة بصخور أو مبنية بالحجارة والقضاض، وتقوم بثلاث مهمات: تلقف الماء وحجز الحجارة والطمي الساقط مع الشلالات، وتوجيه الماء عبر سلسلة من هذه الجدران لتصريفه إلى حيث تكون الحاجة إليه». وقدر الباحثون عدد صهاريج عدن الطويلة بنحو 50 صهريجاً غالبيتها مطمورة تحت الأرض أو أصابها الخراب، وما هو قائم منها 18 صهريجاً تستوعب نحو 20 مليون غالون في موسم الأمطار الغزيرة. تقول سماح إحدى الشابات الناشطات في الحركة الشبابية في عدن: «هذا الصرح التاريخي فيه أول متحف في الجزيرة والخليج، ولكنه للأسف مغلق ومحتوياته نقلت إلى مكان آخر»، موضحة أنه لو كان ملكاً لدوله أخرى لأولته اهتماماً أكبر. وتضيف: «تستقبل القمامة زائري المكان، والعبث طاول الصهاريج، ولا توجد لوحة تعريفية... ويستغرب الزائر أيضاً استيلاء البعض على الأرض المحيطة بالصهاريج، من دون حسيب أو رقيب». وتتواصل سلسلة الاعتداءات على الصهاريج، إذ اقتحم أخيراً عدد من المواطنين البوابة الثالثة للمكان وكسروا أقفالها وهدموا بابها الحديد، للوصول إلى تلة الجبل الملاصقة لمنظومة الصهاريج عبر حديقته، مستغلين الانفلات الأمني السائد في عدن. ويرى الناشط في مجال حماية البيئة محمد سعيد، أن «العين تدمع لما تفعله الكسارات في جبال المدينة وتلالها ومساحاتها الشاسعة، كما تطاول متنفساتها الساحلية وأراضيها الرطبة أعمال الردم التي أضرت بالثروة البحرية، وأثرث في التكوين الطبيعي للمدينة، في حين يعمل أصحاب الرساميل على تشييد فنادق ومراكز تجارية حجبت رؤية البحر عن العامة وخنقت المدينة وحركة الهواء فيها. وأوردت بعض الدراسات أن هذا العبث يعرّض المدينة لفيضان بحري، وأوضح بعض الخبراء أن عدن هي من المدن المعرضة للغرق».