على رغم توسع الحكومة المصرية في فتح المجمعات الاستهلاكية التي تبيع السلع الأساسية بأسعار مدعمة لكبح موجات الغلاء المعتادة في شهر رمضان، وبدء الحزب الحاكم خطة لتوزيع مئات آلاف «الشنط» التي تحتوي على سلع غذائية على المحتاجين، فإن هذه الإجراءات الاستباقية لم تفلح في الحد من ارتفاع الأسعار خلال الأسبوع الأول من رمضان، إذ ارتفعت أسعار سلع تستهلك بكميات كبيرة في شهر الصوم مثل اللحوم والأسماك والخضروات. وضخت الشركة القابضة للصناعات الغذائية كميات كبيرة من السلع الأساسية وياميش رمضان في مختلف فروعها بزيادة بلغت 15 في المئة عن العام الماضي بأسعار تقل 20 المئة عن أسعار السوق لإحداث «توازن سعري». ويقول وزير الاستثمار محمود محيي الدين إن «الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع الغذائية دفعت شركات الوزارة إلى التواجد بقوة في السوق»، لكن «الأسعار ما زالت في حاجة إلى مساندة من أجل السيطرة عليها». وأوضح أن «منافذ وفروع مجمعات السلع الغذائية التابعة لشركات الوزارة ستكون المرجع الحقيقي للأسعار داخل السوق، وهذه الفروع تعطي إشارة واضحة لأصحاب المحال التجارية مفادها أن هناك جهة منافسة تستطيع أن تكون الدليل الحقيقي للأسر المصرية لمعرفة الأسعار وحض التجار على مراجعتها بصفة مستمرة»، مؤكداً أن هذه الشركات «لا تبيع بالخسارة، وإنما تحقق هامش ربح جيداً يتراوح بين 4 في المئة و6 في المئة». لكن أحمد عبدالغني، وهو مهندس يقطن حي بولاق الشعبي في القاهرة، يشكو عدم توافر فروع للمجمعات الحكومية قرب منطقة سكنه. ويلفت إلى أن «المجمعات الاستهلاكية التي يفترض أن يكون هدفها توفير السلع بأسعار زهيدة للفقراء، تتواجد أصلاً في المناطق الراقية». ولا ينكر إبراهيم محمود العامل في أحد المجمعات في منطقة الدقي الراقية هذه المفارقة. ويقول: «كثير من عملائنا هم من القادرين مادياً، فمعظمهم من أصحاب السيارات الفارهة، ويندر أن نبيع لشخص يبدو عليه الفقر». ولهذا السبب عمدت محافظة القاهرة إلى إقامة منافذ متنقلة في مختلف أحياء العاصمة خلال شهر رمضان تبيع اللحوم والدواجن والأسماك والمواد التموينية. وهذه المنافذ تتميز بأنها سهلة الفك والتركيب وتحدد أماكنها وأعدادها تبعاً لمساحة كل حي وعدد سكانه. لكن هذه المنافذ تشهد زحاماً شديداً ولا تباع فيها السلع بحسب الطلب، ولكن بحسب رغبة القائم عليها. ويؤكد عبدالغني أنه يتكبد مشقة كبيرة للحصول على حاجاته من هذه المنافذ. ويقول: «ربما تحتاج إلى الوقوف طوال النهار في طابور طويل تنتظر دورك، وفي النهاية لا يقبلون سوى بيع كميات محدودة من السلع». ويشير وزير الاستثمار إلى أن وزارته خصصت «خطاً ساخناً للشركة القابضة للصناعات الغذائية، لتلقي اقتراحات لتطوير المنتجات وعمليات البيع، أو شكاوى من السلع المطروحة، أو من عدم التعامل الجيد من جانب القائمين على المنافذ». وتوسعت الحكومة هذا العام في توزيع «شنط رمضان» التي تحتوي على كميات من السلع الغذائية الأساسية، واستهدفت أساساً المناطق النائية والفقيرة. وتعهدت 10 جمعيات أهلية توفير أكثر من مليوني شنطة للأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً. ونسقت وزارة التضامن الاجتماعي مع هذه الجهات من أجل توحيد عملية التوزيع وعدم تكرارها. وخصص الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم نحو 95 في المئة من الشنط التي يوزعها للقرى النائية. ودعا نوابه إلى التأكد من توزيع المساعدات على المحتاجين، تلافياً لتكرار حوادث التلاعب والفساد المعتادة في توزيعها. وكان الرئيس حسني مبارك عقد اجتماعاً مع وزراء حكومته قبل يومين أكد خلاله ضرورة توفير السلع الرمضانية «بأسعار في متناول الفقراء». غير أن هذه الجهود لم توقف ارتفاع أسعار السلع. وشهدت أسعار الخضروات ارتفاعات متتالية منذ بدء شهر رمضان وكذلك اللحوم والأسماك، فيما ثبتت أسعار الدواجن والألبان. وأعلن «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» ارتفاع معدل التضخم الشهري بنسبة 2.4 في المئة الشهر الماضي مقارنة بالشهر الذي سبقه، بسبب ارتفاع الطلب على الطعام والشراب بنحو 4.4 في المئة.