خمس مجموعات من الطوابع البريدية، هدية كانت كفيلة بأن تجذب الشاب الفلسطيني جورج الأعمى إلى «هوس» اقتناء القطع الفنية النادرة. في السادسة من عمره، لمس والده صاحب أحد أهم متاجر «الأنتيك» في مدينة بيت لحم، ذلك الشغف لدى طفله. فقدم له الطوابع، من دون أن يدري أن جورج الصغير سيصبح واحداً من أهم مقتني القطع الفنية الفلسطينية الأثرية والتاريخية. سنة بعد سنة، نما شغف الاقتناء ليصبح شغله الشاغل. ومع دخوله العقد الثالث من العمر، قرّر تنظيم معرض بعنوان «400 عام من الإبداع الفلسطيني». وأعجبت الفكرة رئيس مجلس إدارة بنك فلسطين هاشم الشوا الذي قرر دعم الأعمى واستضافة معرضه في المقر الجديد للبنك في منطقة «مهد المسيح». يجوب الأعمى الحاصل على ماجستير في علم الآثار، دول العالم لعله يظفر بقطعة فنية فلسطينية نادرة لطالما بحث عنها. وتكلّلت جهوده بالنجاح في الوصول إلى جزء مما يطمح إليه في أكثر من مناسبة، كان آخرها العام الماضي حين تمكّن من شراء مجسّم لكنيسة القيامة من مزاد علني لدار «كريستيز» في لندن. وهو صُنع بين عامي 1596 و1600 من خشب الزيتون والعظم والصدف، على أيدي فنانين من بيت لحم ينتمون على الأرجح إلى عائلة التراجمة، وفق مخططات الأب الفرنسيسكاني برناردينو أميكو. وحرص الأعمى على عرض أعمال فنية تروي حكاية فلسطين عبر مئات السنين. فقدم مجموعة نادرة من المنحوتات مصنوعة من حجر خفيف الوزن كان يستخرج من منطقة البحر الميت ومحيطها، عرف باسم حجر النبي موسى. وكانت هذه القطع الفنية تباع في فلسطين كتذكارات. لكن هذه الصناعة الفلسطينية بامتياز، انقرضت بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بما فيها منطقة البحر الميت في العام 1967. ولفت الأعمى إلى أن جدّه لأمه الفنان يوسف الياس مرقص كان آخر من صنع قطعة فنية مماثلة، من الحجر نفسه. وتحكي القطع الخزفية القديمة التي يعرضها الأعمى هنا، حكاية الخزف الفلسطيني الأرميني في القدس، والذي لا تزال آثاره باقية على قبة الصخرة وفي العديد من المباني والمتاجر القديمة في المدينة المقدسة. وفي زاوية الأزياء، يجد الزائر أثواباً نادرة حاكتها أنامل الجدات الفلسطينيات، ومن بينها واحد يدمج ما بين الطراز التلحمي (نسبة إلى بيت لحم) وطراز منطقة بيت دجن قرب يافا. وقد اضطرت صانعة الثوب المطرِّزة منّة حزبون إلى النزوح من المنطقة الأولى إلى الثانية، بسبب الاحتلال. هناك، اكتُشفت موهبتها في التطريز، فكلّفها أحد أبرز رجالات البلدة حياكة ملابس الزفاف الخاصة بابنتيه. فظفر الأعمى بثوب مما حاكته في الأردن حيث لجأت العائلة الثرية إلى المخيمات بعد النكبة. ولم يبخل الأعمى في عرض لوحات وأعمال فنية مختارة لفنانين تشكيليين فلسطينين من أزمان وجغرافيات مختلفة، منها لوحة نادرة للروائي جبرا إبراهيم جبرا رسمها في العام 1946، وأخرى لصوفي حلبي وهي من أول العربيات اللواتي درسن الفن في أوروبا. كما عرض لوحات لمؤسسي الفن التشكيلي الفلسطيني الحديث كسليمان منصور ونبيل عناني وتيسير بركات وفيرا تماري. وعرض أعمالاً لفنانين فلسطينيين في المهجر، من بينها لوحات لجمانة الحسيني المقيمة في فرنسا، وسامية حلبي المقيمة في نيويورك، وفلاديمير تماري المقيم في طوكيو. بينما خصّص موقعاً متميزاً للوحة «الحمامة» للفنان الفلسطيني المقيم في باريس ناصر سومي، المستوحاة من قصة حقيقية لصياد غادر يافا بقاربه. وعند عودته وجدها محتلّة، فأخبر جنود الاحتلال برغبته في التوجه إلى «الحمامة» وهو لقب تاريخي ليافا، فخالوه يتحدث عن رمز مريب واعتقلوه أسابيع داخل قاربه. وقدّم الأعمى أعمالاً لفنانين شباب من أبرزها عمل لرنا بشارة جمعت فيه نباتات الصبار الصامدة في قرية ترشيحا المهجّرة وما حولها، وربطتها بخيط أسود داخل نافذة خشبية لأحد منازل البلدة. ويؤكد الأعمى أن هذا المعرض، يقدّم صورة جديدة لا يعرفها كثيرون عن الفن الفلسطيني، مشدداً على انه سيواصل البحث والعمل على اقتناء مزيد من القطع الفنية الفلسطينية النادرة، بخاصة تلك التي فُقدت إبان النكبة.