من مرتكزات تعثر الربيع العربي أنه «ثورة بلا قيادة»، كما ورد في قراءة مجموعة من الباحثين واستنتاجاتهم، صدرت في كتاب «الربيع العربي – الانتفاضة والإصلاح والثورة» في منشورات «منتدى المعارف» في بيروت، وأشرف على تحريره يوسف الصواني وريكاردو رينيه لاريمونت. وتكاد مقولة غوستاف لو بون (1841-1931) في كتابه «سيكولوجيا الجماهير» (دار الساقي) بأن «لا جماهير من دون قائد ولا قائد من دون جماهير»، تختصر واقع ليبيا بعد إطاحة الرئيس معمر القذافي حيث تسيطر على الساحة الليبية حالياً، ووفقاً لما ذكر الصواني ما يتراوح بين المئة والثلاثمئة مجموعة مسلحة لا تنسق في ما بينها. تتناول أبحاث الكتاب، العوامل التي أفضت إلى قيام «ثورات مفاجئة، واحتجاجات جماهيرية حاشدة عام 2011 « في 5 دول عربية هي: تونس، مصر، ليبيا، المغرب والجزائر، فتوافقت على وجود خمسة عوامل ساهمت في إيقاظ الربيع العربي: «النمو الكبير لأعداد ونسبة الشباب في المجتمع ومعاناتهم من غياب فرص المشاركة، نمو اقتصادي متواصل في الدول الخمس مع تبديد لتوزيع عادل لنتائج هذا النمو، خيبة أمل الطبقة البرجوازية من النخب الحاكمة فانحازت إلى الثوار، وقوف الجيش إما على الحياد، أو إلى جانب الثوار والمتمردين، وتوافر التقنيات الإلكترونية بما ساعد على تعبئة السكان في حركة الاحتجاج الاجتماعي الشامل. (يحتاج هذا العامل للكثير من الدقة، وللمزيد من التوسع يمكن للقارئ الاطلاع على التقرير العربي الخامس للتنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي لهذا العام بعنوان «الاقتصاد العربي القائم على المعرفة» ويتضمن أرقاماً دالة على تأخر هذا القطاع ومنها مثلاً اعتماد النقل في قطاع التكنولوجيا وليس العمل على توطينه في البلدان العربية، لأن اقتصادنا ريعي واستهلاكي أكثر مما هو منتج، كما يشير إلى التفاوت في النشر العلمي المائل لمصلحة تركيا وفي صادراتها الإبداعية، وفي توافر 373 باحثاً عربياً لكل مليون بينما يوجد 4627 باحثاً لكل مليون كوري جنوبي، وأن 50 في المئة من سكان اليمن غير مربوطين بالشبكة الوطنية للكهرباء، وهشاشة الحضور العربي على شبكة الإنترنت إذ أنها 0,004 في المئة من المحتوى الرقمي العالمي، وارتفاع حجم الإنفاق العسكري بخاصة في دول الخليج على حساب التنمية والإنتاج وهما عماد صناعة المعرفة الخ. وإذ تشير بيانات استطلاعات الكتاب إلى التفاوت في استخدامات وسائل التكنولوجيا ووسائطه الاجتماعية (بين تونس ومصر لمصلحة الأولى) وتفاوت تأثيراتها (أجهزة الهاتف الخليوي في الجزائر(81 في المئة)، (وتشبه استخدامات وسائل التكنولوجيا من الفايسبوك إلى الإنترنت إلى تويتر والرسائل النصية لدى شباب الربيع العربي أوراق البيانات الحزبية التي كانت توزع يدوياً في غابر السنوات)، فإن ثمة ملاحظة يمكننا الإشارة إليها، وهي تعدد التعريفات في الأسطر المنقولة آنفاً عن الكتاب في توصيف ما جرى، فهي ثورة، وحراك، ومتمردين وثوار وانقلاب، وهذا لا يحمل سلبية بالضرورة، بمقدار ما هو تصوير بالعين المقرّبة لقراءة المرحلة الانتقالية. يتفق الصواني، ولاريمونت على «أن ما حدث عربياً هو ثورة سياسية وليس ثورات اجتماعية، ذلك أن أسس علاقات القوة داخل هذه الدول ومجتمعاتها لم يطلها تغيير حاسم، فأجمعا على فشلها في الحصول على القيادة السياسية المتماسكة، والأيديولوجية المحددة بوضوح، أو إيجاد مجموعة من الأهداف البرامجية مما يفسر عدم نجاحها وتحولها إلى ثورات كاملة». ويتضمن الكتاب مقدمة (الصواني ولاريمونت) وسبعة فصول لباحثين من الدول الخمس موضوع الكتاب، ويكاد الفصل السابع والأخير، أن يختصر المشترك من قراءة الباحثين، وما خلصوا إليه «لصياغة المستقبل»، فأشاروا إلى وقوف الجيش على الحياد في تونس، وقوة الجيش المصري عددياً واجتماعياً واقتصادياً، فهو منخرط في الصناعات الثقيلة والخفيفة والفلاحة والعقارات، والحصول على المساعدات الأميركية، وسعيه لحكومات شريكة له لا تنزع مكتسباته (المخاوف من انقضاض الجيش بالتحالف مع القضاء ومنع التحول إلى الديموقراطية بعد الثورة التي حصلت في 25 كانون الثاني/ يناير)، يضاف لهذه الأسباب غياب المنهج المنطقي في تصرفات الإسلاميين، وتطابق الحركات الإسلامية في مصر وتونس وليبيا على عزل وإقصاء الآخر، والمواقف السلبية من وسائل الإعلام والمرأة والعلمانيين (واضطراب العلاقة مع الأقباط في مصر)، «فأظهروا غطرستهم، وعدم نضجهم السياسي للانتقال نحو الديموقراطية». ولعل ما تشهده ليبيا يبقى في دائرة الأكثر خطورة من بين الثورات التي حصلت-على ما يذكر الصواني وهو مواطن ليبي-، إذ أنها في فترة انتقالية لا يمكن التكهن بمآلاتها المستقبلية، فترة خرجت فيها من براثن الديكتاتورية إلى سكاكين الفوضى القاتلة والتحديات الأمنية، فيشير إلى التنافس المسلح على مصادر الثروة والنفط، وانتشار تشكيلات مسلحة على الحدود مع النيجر ومالي والجزائر وارتباطها بانتماءات إثنية ولجماعات مثل التبو والطوارق تتقاطع مع تنظيم القاعدة، إلى إنتشار عصابات تهريب الخمور والمخدرات والنفط، في ظل مخاوف من صدام قبلي- عرقي يتمثل بالعرب والبربر(الأمازيغ وهم على المذهب الأباضي في ليبيا) في ظل توتر آخذ بالاشتداد، فبات أمراء السلاح أقوى من الحكومة الانتقالية. * صحافية لبنانية