على شاشة غير الشاشة، وراع غير الراعي الأصلي، عرض الأحد الماضي أول أوبريت غنائي استعراضي بعنوان «حبيبي يا وطن» شارك فيه عدد من نجوم الغناء المصريين والعرب مثل مدحت صالح ومحمد فؤاد وحكيم وآمال ماهر وحسين الجسمي ولطيفة، إضافة إلى نجوم في عالم التمثيل مثل أحمد بدير في عمل كتبه أيمن بهجت قمر وأخرجه خالد جلال، وقدم على مسرح الجلاء التابع للقوات المسلحة المصرية الكائن في ميدان «الجلاء» في مصر الجديدة الذي اكتسب اسمه عام 1953 بعد جلاء الإنكليز عن مصر رسمياً. لكنّ «حدوتة» الأوبريت هي الأهم هنا، فللمرة الأولى يقام احتفال مثل هذا من دون أن يأخذ طابعاً رسمياً تدعو إليه وزارة الإعلام نيابة عن الدولة، وللمرة الأولى يقام احتفال مثل هذا من دون أن يكون الرئيس حاضراً فيه مع كل قيادات الجيش وعلى رأسها القائد العام للقوات المسلحة، وللمرة الأولى أيضاً لا يعرض هذا الاحتفال على شاشة التلفزيون الرسمي الأولى في المساء كما هي العادة منذ ثورة 23 يوليو 1952، ومنذ احتفالات تحرير سيناء واسترداد آخر أجزائها في طابا عام 2001. احتفال هذا العام كان تحية خاصة من المجتمع المدني إلى الوطن والجيش في ذكرى احتفالات تحرير سيناء، والدعوة إليه وإنجازه كانا بدعوة من إحدى الجامعات المصرية الجديدة أو المستقلة (جامعة المستقبل)، أما كيف وصل إلى المشاهدين في بيوتهم، فهذا هو سر الإعلام الخاص الآن في مصر الذي يساهم في اطلاع المصريين على ما يحدث حولهم في كل مكان من بلادهم. ولهذا كان لافتاً أن تنقل قناة «أون» الحفلة كاملة، لنرى كيف تستعيد الوطنية المصرية عافيتها من خلال الفن. ولهذا كان من الطبيعي أن يستجيب كبار نجوم الغناء لدعوة «جامعة المستقبل»، وهم الذين كانوا دائماً يغنون باسم الوطن في رعاية وزارة الإعلام، وكان من الطبيعي هذا التفاعل الحار من الحضور، والتفاعل أكثر مع كلمة اللواء عبد الفتاح السيسي قائد الجيش بعد انتهاء الأوبريت والتي وجهها إلى الجميع متحدثاً عن الجيش المصري بصفته قائداً له، وبصفته واحداً من أبناء الشعب. وبعدما حيا كل الفنانين المشاركين ووجه التحية إلى كل من ساهم في الأوبريت وكل من دعا إليه وكل من شارك بالحضور كان تقديم برنامج «مباشر من العاصمة» على القناة المذكورة للحفلة كاملة انفراداً. فهذا حدث يحافظ على عادة استمرت طوال ستين عاماً متواصلة، تراكمت فيها احتفالات تحية الوطن والجيش من خلال مشاركة رسمية وشعبية، فإذا بالحدث يقام، ولكن من خلال المشاركة الشعبية المدنية والجيش وحدهما بعيداً عن النظام الرسمي والرئاسة... وها هو – بالتالي – الإعلام الرسمي ينسحب بعيداً عن تبني ونقل الاحتفال تاركاً الإعلام الخاص يقوم بالمهمة، وها هم المدعوون أي جمهور هذا الاحتفال الكبير يردون على كلمة قائد الجيش الأخيرة التي تطمئنهم على الوطن بغناء نشيد قديم بصوت زلزل جنبات القاعة «خللي السلاح صاحي صاحي» وكأن عبد الحليم وبليغ وجاهين حاضرون، وليؤكد هذا البث الفريد أن الإعلام الواعي قوة جبارة في الزمن الصعب.