عرض رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، خلال لقائه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أول من أمس في مقر الخارجية، الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة. وأوضح أنه لم يتمكن من ممارسة الحكم «في ظل حكومة افتقدت الوحدة والتجانس»، وأنه بذل جهوداً كبيرة لكنه لم يستطيع الذهاب إلى أبعد ما وصل إليه فاختار الاستقالة. وقال مصدر فرنسي مطلع على المحادثات التي حضرها من الجانب اللبناني الوزير نقولا نحاس والسفير اللبناني لدى فرنسا بطرس عساكر، ومن الجانب الفرنسي مدير مكتب فابيوس السفير ديني بييتون ومدير الشرق الأوسط في الخارجية السفير جان فرانسوا جيرو ومستشار فابيوس كريستيان نخلة، أن فابيوس تربطه علاقة صداقة وود بميقاتي والحديث تركز أساساً على الوضع في سورية، «وأهم رسالة وجهها ميقاتي للجانب الفرنسي ضرورة دعم الجيش اللبناني، وأثار أيضاً سياسة حكومته النأي بالنفس عن الصراع في سورية، بالإضافة إلى مسألة اللاجئين السوريين إلى لبنان». والتقى أيضاً ميقاتي مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار الذي يقيم في الفندق الذي حل ميقاتي فيه في باريس. إلى ذلك، قال ميقاتي ل «الحياة» عن لقائه فابيوس «إنه شكر له دعمه للبنان ولي شخصياً خلال فترة رئاسة حكومتي، وقلت إن أوروبا وفرنسا بالذات دائماً إلى جانب لبنان وداعمان لاستقراره. وهما يقدران جداً سياسة لبنان النأي بالنفس عن الوضع في سورية، نظراً للتوازنات الداخلية في لبنان التي كانت تقتضي ذلك». ورداً على سؤال عن عدم نجاح سياسة النأي بالنفس طالما «حزب الله» يقاتل في سورية إلى جانب النظام، قال: «عندما كانت حكومتي موجودة كانت سياسة ناجحة ولكن اليوم ربما من آثار الاستقالة أن صار لكل فريق مشاريعه وانتماءاته السياسية يعبر عنها بطريقته». وتابع: «كانت الحكومة جامعة نوعاً ما وكانت حامية لموضوع النأي بالنفس، مع أنني لا يمكن أن أنكر أنه كانت هناك خروق، لكن الكل كان يقدر ويحترم سياسة النأي بالنفس». وعما إذا كان عدم نجاح النأي بالنفس هو الذي أسقط الحكومة، رد ميقاتي: «بالعكس سقوط النأي بالنفس هو نتيجة استقالة الحكومة». وإذا كانت هناك أطراف في الحكومة لا تريد انتخابات ولذا سقطت الحكومة، قال: «سقوط الحكومة أسبابه متعددة، والسبب الأول أنها أعطت كل ما لديها ولن تستطيع أن تعطي أكثر وخصوصاً بعدم التجديد للواء أشرف ريفي، ووجدت أن الوقت مناسب لفتح ثغرة أمام بعض الحلول المفروض أن تحرك المياه الراكدة في لبنان. والحقيقة أن الاستقالة حركت المياه الراكدة ورأينا الإجماع على تكليف الرئيس تمام سلام، ونتمنى أن يتبع فتحنا لهذه الثغرة أوتوستراد من أجل تحسن الحال في لبنان لأننا كنا واصلين إلى طريق مسدود». وعن إصرار باريس على أن إجراء الانتخابات في موعدها، قال ميقاتي: «أولاً أحب أن أذكر أن في 2005 كان مشروع حكومتي مشروع انتخابات وعلى رغم أن الأمور كانت صعبة مثل اليوم بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، استطعت بإصراري أن أنظم انتخابات بتأخير تقني شهرين. أعتقد أن الانتخابات ضرورة ولبنان رمز الديموقراطية في المنطقة، والاستحقاق الديموقراطي ضروري ومقدس للبنان. ولكن هل ستجرى الانتخابات في وقتها المحدد؟ هناك استحالة أن تجري في وقتها المحدد في 20 حزيران (يونيو) وهي استحالة تقنية إذ من المستحيل في أقل من شهرين أن نتمكن من القيام بما هو مطلوب لإجرائها. إضافة إلى ذلك هناك من يقول إن قانون الستين انتهى والبعض الآخر يقول أن نسير على قانون 2008 والبعض يطالب بقانون جديد الاتفاق عليه لم يتم بعد. وما يمكن أن أقوله أنه لا يمكن أن تحصل الانتخابات بوقتها كما أنني لن أقول إن التأجيل طويل جداً». وعما إذا كان هناك طرف لا يريد الانتخابات، قال: «ربما الجميع يريد انتخابات ولكن قبل شهرين من موعدها يطلب من النواب أن يضعوا قانون انتخاب يريده كل واحد على قياسه، إضافة إلى ذلك، هذه الانتخابات ستؤدي إلى مجلس نيابي سينتخب رئيس جمهورية بعد سنة، وبالتالي كيف أمام التعقيدات والمصاعب سيتوصل اللبنانيون إلى قانون انتخابي مثالي؟ وكيف سيتفق الزعماء على قانون وفي غضون سنة البرلمان سينتخب رئيس جمهورية؟ لا أعتقد أن طرفاً معيناً لا يريد انتخابات ولكن كل واحد يريدها على قياسه وبالتالي هناك استحالة أن تجرى في موعدها». وهل في إمكان الرئيس سلام أن يشكل حكومة؟ أجاب ميقاتي: «حتماً سيتم تشكيلها، كيف ستكون؟ لا أدري». وهل يمكن أن يستغرق تشكيل الحكومة الوقت الذي استغرقه تشكيل حكومتك، أي خمسة أشهر ونصف الشهر؟ أجاب: «أعتقد أن الرئيس سلام يتمنى من كل قلبه التشكيل بسرعة وألا يمر بما مررت به للتشكيل، لكن هل باستطاعته ذلك، وأن تنال حكومته الثقة وأن تشكل فريق عمل متجانساً؟ ومن هنا أقول بكل نية طيبة إن هناك مثالية وقد انتقدني البعض. وكل من كان مخلصاً للبنان مثل الرئيس سلام أعتقد أنه سيطلب الأفضل ولكن الواقعية السياسية، ونظراً للوضع اللبناني الداخلي وفي المنطقة، تظهر مقدار الصعوبات، ومن هنا قولي أن نكون واقعيين كي أخفف من النظرة التفاؤلية لدى الناس عما يمكن أن تنتجه الحكومة، وهذا على عكس ما اعتقده البعض من أنني انتقدته». وعن معارضة حلفائه السابقين في الحكومة ميشال عون و «حزب الله»، قال: «نحن نعمل في السياسة وللسياسة موازينها وشروطها وكل فترة لها وقتها. صحيح كنا نتفق في أمور ونختلف في أخرى، لكن في النهاية كان الهدف الوحيد لدي الحفاظ على استقرار لبنان في هذا الوقت الصعب، مع تسجيل بعض الخروق الإيجابية لمصلحة المواطن». وعن رأيه بسقوط قتلى ل «حزب الله» في سورية، قال ميقاتي: «دعوتي إلى النأي بالنفس أوجهها إلى كل اللبنانيين، وعندما كنت رئيس حكومة كان النأي بالنفس موجوداً باستثناء خروق بسيطة ولكن لم يكن أحد يتجرأ على الإعلان عنها كما الآن». وعما كان بإمكانه منع «حزب الله» من المشاركة في القتال في سورية في ظل حكومته، قال: «كان وجود الحكومة مهدداً بهذا الموضوع، وكنت أقول لو حصل ذلك لما تمكنت من البقاء. لم تكن خروق النأي بالنفس معلنة كما هي اليوم». وعن تطور الوضع في طرابلس، أجاب: « نرى أن الهيئات المدنية تحركت كاملة حتى رجال الدين يتحركون بعقلانية وواقعية».