عرفت عدن هوس تشجيع كرة القدم قبل 108 سنوات، مع تأسيس أول نادٍ في العام 1905. وقد دخلت بعض الألعاب الى المجتمع العدني عبر المستعمر البريطاني، إذ كانت المعسكرات مكاناً لممارستها. وبعد إنتشار كرة القدم، أُسس نادي «الشباب المحمدي»، ثم عدد من الفرق الأخرى التي لها جمهورها ومشجعوها في أحياء المدينة العريقة. ورغم حرارة الشمس الحارقة، كان المشجعون العدنيون يحضرون الى الملعب البلدي «الحبيشي» منذ الظهيرة للحصول على مقعد في المدرج الإسمنتي، لمتابعة مجريات المباراة التي كانت تقام عصراً، لأنه لم تكن هناك إضاءة بعد. كثر يعشقون كرة القدم في عدن صغاراً وكباراً وحتى النساء. وتحتدم النقاشات بين المشجعين للفرق العريقة في أوروبا والعالم، وأهمها فرق الدوري الأسباني. ويصل الإنقسام الى حدّ الخصام بين مشجعي فريقي برشلونة وريال مدريد، في البيوت والمقاهي حيث يتابع أهالي عدن المباراة الأكثر تشويقاً ربما على مستوى العالم كله. ومع كل مباراة بين الفريقين، تنتشر في شوارع عدن وسائر المدن اليمنية وسائل الحماسة والتشجيع، ومنها التجوال في الطرق بالسيارات والدراجات النارية المزّنة بألوان الفريقين، وتعليق الأعلام الكبيرة على النوافذ والشرفات، وارتداء القمصان البرشلونية أو المدريدية. والواقع أن تشجيع برشلونة يبدو أكبر، بدليل وجود مجسمات فنية وتماثيل تجسّد الفريق الكتالوني على الطرق وعند المستديرة الرئيسة في المستطيل الأخضر لعدن. ولا يخلو مكتب أو مؤسسة أو بيت أو سوق أو باص أو سيارة تاكسي، من الجدل في ما يخصّ براعة اللاعبين الكتالونيين وقوّتهم ومقارنتهم بزملائهم المدريديين. وهذا الجدل البيزنطي قد يفضي إلى عداوات لا توفّر الأخ وأخاه، والأصدقاء، وحتى الأزواج. أما أثناء متابعة المباراة الحامية بين أبرز فريقي كرة قدم في العالم، عبر شاشات التلفزيون، فيخيم الصمت على عدن التي تعاني حالياً من انقطاع حاد في التيار الكهربائي. لكن التنافس بين ميسّي وكريستيانو رونالدو يُنسي العدنيين همومهم المعيشية وجلبة المولّدات الكهربائية ودخانها الأسود الملوّث، وفاتورة النفط الإضافية من أجل تشغيل التلفزيون. وفجأة يتحوّل صمت المدينة الى عرس تعلو فيه صيحات الشبان وأصوات الأبواق المزعجة والأعيرة النارية التي قد تودي بحياة الناس! فلو عرف لاعبو الفريقين، كيف يعبّر العدنيون واليمنيون عامة، عن فرحتهم بالفوز، لتوقفوا عن اللعب ربما... لكن اليمنيين لا يلتفتون الى كل هذه الأمور، لذا ينتظرون ساعة الصفر وإعلان الفوز حتى يخرجوا الى الشوارع في منتصف الليل غالباً، في مسيرات إحتفالية، غير آبهين براحة الآخرين وإيقاظ المرضى والأطفال. المهمّ لديهم بحسب ما يقول محمد: «التعبير عن الفرحة وإغاظة عشاق الفريق المغلوب». ولا يقتصر الأمر على هذا، فقد برز في عدن نوع آخر من الإعلان عن الهوس بتشجيع برشلونة في إحدى أهم الساحات العامة، وتحديداً دوار «حجيف» الرابط بين عدد من أحياء المدينة. فقد صُبغ الدوار بألوان «البرشا» العنابية والزرقاء. وأكد المهندس إيفان صالح أن أحد المسؤولين في عدن وجّه تعليماته لتلوين الدوار بألوان فريق برشلونة الذي يحبه. لكن صالح وزملاء له رفضوا هذا الأمر، لأنه «يُهدر المال العام في أمر لا يستحق الصرف عليه، ثم إن هذا الدوار هو ملكية عامة للمواطنيين ولا يحق لأي كان أن يلوّنه كما يحب هو شخصياً».