من المؤلم جداً حينما نصل لمرحلة، وهي أن يعتقد البعض أن من الدين الطعن في نيات الآخرين ولعنهم وسبهم، وهذا النوع نجدهم يبررون تصرفاتهم المشوهة والمتشنجة، التي تتجاوز كل الحدود الأخلاقية والشرعية والقانونية. والإمام مالك، رحمه الله، له مقولة تشخص هذه السلوكيات وتعري أصحابها، وهي: «إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب فاعلم أنه معلول النية لأن الحق لا يحتاج إلى هذا»، فما بالك إذا كانت تشنجاته ليست من أجل انتصار لحق بيّن وفق قوانين الأخلاق المحمدية، وإنما لعصبية نحو رأي معين يعتبر من فروع الفروع، وأصحاب هذا الاتجاه الضار يقيسون الشريعة بمقياس المألوف لديهم، وما يجهلونه ولا تدركه عقولهم فهو حرام قطعاً ولا يحق لأحد فيه الاختلاف، لأنهم يظنون أن فهمهم للنصوص الشرعية يكتسب القطعية. أما الانتهاكات التي يمارسونها في حق المختلف معهم والظلم والأكاذيب، وسوء الظن، وسوء الفهم، وتوسعة دائرة الكراهية في قلوب الناس والتحريض، ونكران تاريخ إنسان وكفاحه فهو جائز وليس فيه شيء في نظرهم، وهذا الطريقة تعبر عن حقيقتهم وورعهم البارد وعن ضمائرهم التي لا تردعهم من الظلم! وهذا يجعلنا نعيد النظر في أناس يلبسون ثوب المعرفة وهم من أوائل من يكسرون قواعد الأخلاق والعلم. من الأزمات التي يعاني منها المجتمع، إما أن يكون الشخص فوق النقد والمبدأ، وإما أن تصادر أبسط حقوقه مثلاً التعبير عن الرأي نحو مسألة معينة، وهذا يؤكد عمق حاجتنا لقيمة الإنصاف والاعتدال في التقويم والحكم على الآخرين. هذه التصرفات السلوكية تعبر عن أزمات نفسية شرسة غير أزمة الفهم، فهي تسكن نفوس من يسيرون على هذا المنوال، وهي تصور عمق الخلل والتفكك داخل منظومتنا التربوية، وهي من أكبر الأسباب الرئيسة التي تجذر مرض التخلف والانحطاط، وغياب قيمة الإنسان، وتفكك المجتمع في لحمته من الداخل وضعف رصيد الثقة في ما بينهم، ونفور شعوب الأرض من الإسلام. الحل الوحيد لضبط كل هذه الأمراض التي تفتك بالمجتمع وتقوده للجحيم بشكل لا يستطيع فعله أعداء الخارج بسبب هذه الفئة التي أصبح ضررها على الإسلام والمسلمين أكثر من غيرهم، هو سن قانون مفصل صريح يفعل على أرض الواقع بشكل دقيق، وتوضع عقوبات صارمة للحد من هذه الظاهرة المرضية التي كالسرطان لا تترك المريض حتى تقتله. واقعنا الاجتماعي يحتاج إلى معالجة صادقة وصريحة من العلماء الكبار جميعهم، الذين يتميزون بسعة الأفق، وفهم الواقع ومتغيراته، والمسؤولين من أجل تجديد المنظومة الأخلاقية والمنظومة التربوية، وتربية الجيل الجديد على الحوار والتعايش والاحترام للآخر، والاتجاه بالواقع الاجتماعي للمسار الصحيح، وأن الحكمة والقوة المنطقية يكونان من خلال الالتزام بقوانين الأخلاق والعلم وليس العكس. يقول ديفيد هيوم: «قوة المنطق لا بد أن تكون أقوى وأكثر منطقية من منطق القوة وإلا اختفى المجتمع». من أجل مجتمع صحي خالٍ من أمراض العصبية والعنف والاستغلال وتوظيف الدين في مصادرة حق الرأي وغيره. * كاتب سعودي. [email protected] @alzghaibi