صوّت النواب البريطانيون بغالبية ساحقة تأييداً للاعتراف بفلسطين، في خطوة رمزية وغير ملزمة للحكومة، لكنها تعكس المزاج البريطاني العام، ويؤمل بأن تشجّع برلمانات وحكومات أوروبية أخرى على القيام بالمثل، وربما تقنع الحكومة البريطانية باحترام العملية الديموقراطية وقرار برلمانها. وغداة التصويت، وجه وزير بريطاني سابق انتقاداً لاذعاً للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية، داعياً الحكومة إلى حظر منتجات المستوطنات، واعتبار كل من يدافع عن الاستيطان «متطرفاً». وتبنّى النواب ليل الإثنين - الثلثاء بغالبية 274 صوتاً في مقابل رفض 12، اقتراحاً يدعو الحكومة البريطانية إلى «الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل» ك «مساهمة في تأمين حل تفاوضي يكرّس قيام دولتين» في المنطقة. وكان الاقتراح الأصلي الذي قدمه النائب «العمالي» غراهام موريس، يدعو الحكومة الى «الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل»، إلا أن الوزيرين السابقين جاك سترو وآلان دانكن تقدما صباح يوم التصويت أول من امس باقتراح معدل يضيف جملة: «كمساهمة في تأمين حل تفاوضي يكرّس قيام دولتين». كما رُفض اقتراح معدّل آخر تقدم به أنصار إسرائيل للتصويت عليه، ويربط الاعتراف بفلسطين «بنهاية مفاوضات سلام ناجحة بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية». ترحيب فلسطيني واعتبرت السفارة الفلسطينية في لندن في بيان تلقت «الحياة» نسخة منه، أن التأييد الكاسح للاعتراف بفلسطين يعد «تغييراً مهماً في السياسة البريطانية»، مضيفة أنه «لاقى اهتماماً من الشارع البريطاني والمجتمع المدني والاتحادات التجارية، وأثار الكثير من النقاش داخل أروقة السياسة البريطانية». وأكد السفير الفلسطيني في بريطانيا مانويل حساسيان أن «التصويت بالغ الأهمية، وهو حجر انطلاق نحو تصحيح الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني». وقال: «لقد عكس النواب إرادة البريطانيين المؤيدة للاعتراف بدولة فلسطين وحق الفلسطينيين في الحرية والعدالة وتقرير المصير». وأضاف: «هذا هو الوقت لحكومة المملكة المتحدة للاستماع إلى برلمانها المنتخب ديموقراطياً، ولأخذ موقف سياسي حاسم بالاعتراف بدولة فلسطين وتحمّل مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية والقانونية نحو فلسطين». وقال مدير «مجلس التفاهم العربي - البريطاني» (كابو) كريس دويل ل «الحياة» إن التصويت الكاسح «إشارة إيجابية إلى أن السياسة البريطانية تؤيد الاعتراف بفلسطين، كما يعكس الاستياء والغضب من السياسة الإسرائيلية في شأن الاستيطان والقدس وغزة»، مضيفاً: «السؤال الآن هو: هل ستحترم الحكومة هذه العملية الديموقراطية وموقف البرلمان». وأوضح أن «الخطوة التالية هي ممارسة الضغط على الحكومة لاحترام قرار البرلمان، وفي الوقت نفسه تشجيع برلمانات وحكومات أوروبية أخرى على القيام بالخطوة نفسها، وترجمة هذا التصويت الى أفعال جدية لتغيير الوضع على الأرض، لأن ما يهم الناس هو التغيير على الأرض». واعتبر أنها «خطوة رمزية وصغيرة... لكنها تبعث برسالة إلى إسرائيل» في شأن المزاج العام البريطاني. ورحّب بالنقد اللاذع الذي وجّهه وزير التنمية الدولية البريطاني السابق السير آلان دانكن ضد السياسة الإسرائيلية الاستيطانية، وبدعوته إلى مقاطعة تجارية لمنتجات المستوطنات واعتبارها غير قانونية، مشيراً إلى انه أول سياسي بريطاني على هذا المستوى الرفيع يوجّه مثل هذه الدعوة، علماً أن السياسة البريطانية تقتصر على وضع إشارة منشأ على بضائع المستوطنات، لكن لا تعتبرها ممنوعة. وكان دانكن دعا في خطاب أمام «معهد الخدمات المكلية المتحدة» أمس إلى اعتبار كل من يتعاطف مع المستوطنين «متطرفاً»، وقال: «كل من يدعم المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية هو متطرف يضع نفسه خارج حدود القواعد الديموقراطية. وبذلك لن يكون صالحاً للترشح للانتخابات أو الجلوس في برلمان ديموقراطي، ويجب أن يدينه المجتمع الدولي صراحة، وأن يتعامل معه على هذا الأساس». في الوقت نفسه، اتهم النائب اليهودي الأصل في البرلمان جيرالد كوفمان الحكومة الإسرائيلية بالتسبب بإثارة العداء للسامية، مضيفاً أن اعتراف البرلمان سيغيّر قواعد اللعبة. غير أن التصويت لاقى انتقاداً من نواب آخرين، إذ قلّل وزير الخارجية البريطاني السابق اليهودي الأصل مالكولم ريفكيند من أهمية قرار البرلمان، واعتبره «علاقات عامة ل 24 ساعة»، مضيفاً أنه لن يكون له أي تأثير في الوضع في الشرق الأوسط، علماً أن ريفكند لم يصوّت مع الاقتراح أو ضده. النقاش البرلماني وأفادت «حملة التضامن مع فلسطين» على موقعها الإلكتروني بأن النقاش البرلماني تضمّن كلمات مؤثرة تحدثت عن الجرائم الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، وصور الأطفال المقيّدين بالسلاسل في المحاكم الإسرائيلية، والضرر الذي لحق بسمعة بريطانيا بسبب مواقفها وبيعها إسرائيل أدوات تستخدم في صنع أسلحة تقتل الفلسطينيين. وأوضحت أن 57.500 بريطاني بعثوا برسائل إلكترونية، عبر موقع الحملة، إلى النواب الذين يمثلونهم لحضّهم على التصويت مع الاعتراف بفلسطين. وقالت إن 44 نائباً تكلمّوا جلال الجلسة، سبعة منهم فقط ضد الاقتراح. وكان لافتاً أن نواباً مؤيدين تقليدياً لاسرائيل صوّتوا مع الاعتراف بفلسطين، ومن بينهم رئيس اللجنة المشتركة للشؤون الخارجية النائب المحافظ ريتشارد أوتاواي الذي قال إنه «في الوضع العادي» لكان رفض الاعتراف بفلسطين، لكن بسبب «غضبي من سلوك اسرائيل في الاشهر الاخيرة، لن أعارض الاقتراح»، مشيراً الى أن «ضم اسرائيل 950 هكتاراً من الضفة الغربية قبل أشهر قليلة أغضبني بشدة أكثر من أي شيء آخر في حياتي السياسية. إن ذلك جعلني أبدو كمغفل، وهذا شيء أمقته بشدة». واضاف: «يجب أن أقول لحكومة اسرائيل: اذا كانت تخسر أناساً مثلي، فإنها ستخسر أناساً كثيرين». وكان الوزير المكلّف شؤون الشرق الأوسط توبياس إيلوود كرّر خلال المناقشة البرلمانية التي سبقت التصويت، موقف حكومته بأنه لا يمكن الاعتراف بدولة فلسطين إلا في الوقت المناسب. وقال إن «تطلعات الشعب الفلسطيني لا يمكن تحقيقها في شكل كامل إلا مع إنهاء الاحتلال... ونعتقد أن هذا الأمر سيتم فقط عبر المفاوضات». وتابع: «وحده إنهاء الاحتلال سيضمن أن تصبح دولة فلسطين حقيقة واقعة. وستعترف بريطانيا بدولة فلسطين حين نرى أن هذا الأمر سيساعد في تأمين السلام». يذكر أن الحكومة البريطانية استبقت التصويت بالإعلان أنها لن تغير سياستها تجاه فلسطين مهما كانت النتيجة، وأن أعضاءها سيمتنعون عن التصويت، بمن فيهم رئيسها ديفيد كاميرون. وأفادت «حملة التضامن» بأن النواب الذين صوّتوا مع القرار يمثلون كل الأحزاب البريطانية، علماً أن حزب «العمال» أعلن صراحة أنه يؤيد الاعتراف بفلسطين. ويرى مؤيدو الاقتراح أن هذا التصويت الكاسح وضع ملف الاعتراف بفلسطين بقوة على طاولة رئاسة الحكومة، وأصبح بنداً على أجندة الانتخابات البريطانية العامة في أيار (مايو) المقبل. وكانت السويد أعلنت أخيراً قرارها الاعتراف بفلسطين، كما أعلنت فرنسا الاثنين الماضي أنه «سيتعين في وقت ما الاعتراف بدولة فلسطين»، علماً أن نحو 134 دولة اعترفت حتى الآن بدولة فلسطين التي حصلت على صفة مراقب في الأممالمتحدة نهاية عام 2012.