هل تعرفون ما هو السبب الأول الذي يدفع إلى الاستشارة الطبية؟ إنها آلام الرأس. أما السبب الثاني فهو آلام الظهر. نعم، إن آلام الظهر شائعة كداء الرشح، وهي تعد من بين أهم الأسباب التي تدفع إلى التغيب عن العمل عند الذين لم يتخطوا عتبة الخمسين من العمر. وعلى هذا الصعيد، أفادت دراسة هولندية بأن آلام الظهر تكلف الدولة حوالى 2 في المئة من الدخل الوطني. وتكلف آلام الظهر الخزينة الأميركية أكثر من 20 بليون دولار سنوياً. إن آلام الظهر قد تجعل صاحبها عاجزاً عن القيام بحركة أو أكثر من حركات العمود الفقري الطبيعية، كاللف، والدوران، والحركة، والمشي، والانحناء، والوقوف، وحمل الأشياء. بل إن آلام الظهر قد تدفع بصاحبها إلى اتخاذ وضعية منحنية كعجوز، فتصبح حاله كما قال الشاعر: «حنتني حانياتُ الدهر حتى كأني خاتِلٌ أدنو لصيد». وقد تجبر آلام الظهر صاحبها على الاستعانة بالعكاز من أجل الحركة والمشي، فينطبق عليه قول الشاعر: «وكنت أمشي على رجلين معتدلاً فصرتُ أمشي على رجل من الشجر». إن آلام الظهر عارض وليست مرضاً. وتصنف هذه إلى نوعين: آلام الظهر الحادة في حال دامت أقل من شهر. وآلام الظهر المزمنة في حال طال مداها أكثر من 30 يوماً. ويمكن أن تلازم آلام الظهر صاحبها فترة طويلة من الزمن، وقد تسبب العجز إذا لم تؤخذ على محمل الجد. والأسباب المؤدية إلى الآلام الظهرية كثيرة ومتشعبة، ولكن المهم فيها هو التعرف على هوية السبب وعلاجه. ويجب الأخذ في الاعتبار أن حوالى 90 في المئة من آلام الظهر مجهولة الحسب والنسب ولا يمكن فيها رصد سبب واضح. عدا هذا، فإن آلام العمود الفقري يلفها الكثير من الغموض، فوفق الدراسات التي قام بها علماء سويديون وأميركيون، فإن أكثر الصور الاستقصائية دقة وتطوراً قد تفشل في تحديد سبب آلام الظهر. وفي شكل عام، يمكن القول إن آلام الظهر يمكن أن تنتج من الأسباب الآتية: 1- انفتاق النواة اللبية، أو ما يسمى في العامية «عرق النسا». فالمعروف أن هناك أقراصاً غضروفية تفصل بين كل فقرة وأختها مهمتها امتصاص الصدمات والرضوض، ويحتوي كل قرص على نواة مؤلفة من مادة هلامية طرية، ولسبب ما يصاب القرص بتشققات وتصدعات، الأمر الذي يدفع بالنواة المذكورة إلى الانزلاق عبرها إلى الخارج حيث توجد الفوهة التي يخرج منها العصب، فيتعرص الأخير إلى الانضغاط فيشكو الشخص من آلام في الظهر، ويمكن الآلام الناتجة من هذا الضغط أن تنتقل في اتجاه الساق والتسبب في عرق النسا، وهو في العادة آلام حادة جداً تسبب وخزاً ابتداء من مؤخرة الإنسان وعلى امتداد الجانب الخلفي لساقه. 2- انزلاق الفقرات. وهي حالة تحدث بسبب ضعف الأقراص المفصلية، وفيها تنزلق الفقرة إلى الأمام على الفقرة التي تحتها، ما يؤدي إلى ضيق القناة التي يبرز منها العصب، فيعاني المصاب من آلام ظهرية ومن صعوبات في المشي. ويشاهد الانزلاق عادة بين الفقرتين القطنيتين الرابعة والخامسة، وما بين القطنية الخامسة والعجزية الاولى. 3- وجود تبدلات استحالية في الأقراص بين الفقرات، أو ما يسمى بتنكس الفقرات. تتعرض الأقراص الفقرية بفعل التقدم في السن إلى تبدلات تنتهي بحدوث نتوءات تضغط على الأعصاب وتسبب آلام الظهر. ويحدث تنكس الفقرات بسرعة عند المرضى المصابين بالتهابات في المفاصل والعظام ومن داء المفاصل الروماتيزمي. وتنتج عن تنكس الفقرات آلام ظهرية قوية قد تمتد إلى الطرفين السفليين، وتترافق مع تنميل وضعف كلما تعرضت الأعصاب في نفق الفقرات لضغط أكبر. 4- التشنجات العضلية. وهي من أكثر الأسباب التي تقف خلف آلام الظهر، وقد تترافق هذه الآلام مع العارض الشهير التيبس. إن أي حركة مزعجة للظهر، أو حتى أي عطاس أو سعال بسيط يمكن أن يسبب التشنجات العضلية. أيضاً، يمكن أي حركة انحناء أو لف أو دوران للظهر أو رفع أشياء عن الأرض بطريقة غير صحيحة أن تطلق العنان لآلام الظهر. 5- التهاب المفاصل العجزية الحرقفية. المعروف أن هناك مفصلين عجزيين حرقفيين يعملان على وصل ذنب العمود الفقري مع عظم الورك، واحد يقع في الجانب الأيمن وآخر في الجانب الأيسر، وهما مفصلان ثابتان غير متحركين، كما الحال مع مفصل الركبة أو الكوع. إن أية تغيرات استحالية أو التهابية تطاول أحد المفصلين أو كليهما يمكن أن تشعل آلام الظهر التي قد تنتشر إلى الساقين أيضاً. 6- وجود عيوب خلقية في العمود الفقري. وتنجم هذه عن خلل في تكوين الفقرات، ما يسبب اعوجاجات أو التواءات في الظهر تكون سبباً في آلام الظهر. 7- الوزن الزائد. إن زيادة الوزن تتطلب مجهوداً إضافياً من الجسم عموماً، ومن عضلات الظهر خصوصاً، وهذا ما يسبب آلاماً في الظهر. 8 - أسباب أخرى، مثل داء الهشاشة العظمية، والتهابات وأورام العمود الفقري، ومتلازمة «ذيل الفرس»، وتضيّق القناة النخاعية وغيرها. 9- أسباب لا علاقة لها بالعمود الفقري. إن أمراض الكلى، وأمراض الجهاز الهضمي، والتهابات المثانة، والتهابات الحوض، وأم الدم الأبهرية البطنية، قد تكون مصدراً لآلام الظهر. إن آلام الظهر تحدث أكثر في القسم الأسفل من العمود الفقري، وتميل هذه إلى النزول صوب الأرجل من الأمام والخلف ومن الجانبين. وقد تزداد الآلام سوءاً عند القيام بالنشاط البدني، أو الجلوس مطولاً، خصوصاً في السيارة أو بعد حمل شيء ثقيل. وقد تترافق الآلام مع حس الخدر والتنميل، أو مع صعوبة في الوقوف، أو مع ضعف في الساقين. بقي أن نشير إلى أن آلام الظهر تعتبر المثبط الأكبر للرغبة الجنسية، ففي دراسة نشرتها صحيفة «دايلي ميل» البريطانية أفادت بأن واحداً من بين 10 بريطانيين اعترف بأن حياته الجنسية أصبحت مضطربة بسبب آلام الظهر، وكان وقع هذه الآلام أكثر بروزاً عند معشر النساء اللاتي يتخلين عن ممارسة الجنس لوجود هذه المشكلة، أي آلام الظهر. وجاء في نتائج الدراسة أن 55 في المئة من البريطانيين يعانون من آلام الظهر، على الأقل مرة واحدة في الشهر، وأكد 25 في المئة منهم أنهم يتجنبون القيام بأي نشاطات مضنية عند معاناتهم من آلام الظهر. نصائح للوقاية الخطوة الأولى في آلام الظهر هي استشارة الطبيب لوضع التشخيص، ووصف العلاج المناسب. وبما أن القسم الأعظم من حالات آلام الظهر مجهولة السبب، فإن النصائح الآتية تساعد في منع حدوث آلام الظهر: 1- خفض الوزن الزائد. 2- اختيار الفراش المريح والمناسب للظهر وتقوساته. 3- تجنب كل الأوضاع المتعبة للظهر مثل الجلوس المديد، والوقوف المستمر، والانحناء بكثرة. 4- تجنب الحركات المفاجئة. 5 عدم مشاهدة التلفزيون في وضعية النوم. 6- تجنب انتعال الأحذية ذات الكعب العالي. 7- ممارسة التمارين الرياضية لتقوية عضلات الظهر. وطبعاً لا يجب اختيار الرياضات التي تدمر العمود الفقري في مرحلة مبكرة مثل رفع الأثقال، والتزلج. في المقابل، فإن الرياضات مثل السباحة، واليوغا، وركوب الدراجة، هي رياضات تريح الظهر وتفيده. [email protected]