إن المرض المعروف بعرق النسا (Sciatica) هو مرض معروف منذ قديم الزمان وعرفته العرب والعجم وعرفوا أعراضه ووصفوها بدقة. وقد سمته العرب بعرق النسا لأن المرض يصيب العصب الوركي الطويل (Sciatic nerve) . وبما أنهم لم يكونوا يعرفون الفرق بين الشرايين والأوردة التي هي العروق وبين الأعصاب فقد سمي مجازاً بالعرق. أما كلمة النسا فهي صحيحة حيث أن هذا العصب الوركي هو أطول عصب في الجسم ويمتد من منطقة الفقرات القطنية في أسفل الظهر ويمر خلف الورك ثم خلف الفخذ ثم يتفرع لتصل فروعه إلى أصابع القدم. إذاً فكلمة عرق ليست دقيقة أما كلمة النسا والتي تعني بالعربية الفصحى الطويل فهي دقيقة تماماً. وقد استخدمت هذه التسمية من قبل الناس قديماً وحديثاً لتصف آلاما تمتد من منطقة أسفل الظهر أو ما يعرف بالعامية بمنطقة زر الورك ثم تمر أسفل إلى المنطقة الخلفية من الفخذ ثم خلف الركبة ثم تصل إلى الساق وتلتف لتصل إلى أصابع القدم. وهذه الآلام تنتج بسبب التهاب أو ضغط على العصب الوركي. وقد استخدم العرب قديماً أساليب مختلفة لعلاج هذا المرض مثل الأعشاب والكي واستخدام الكمادات ودفن جزء من الساق وغمرها في الرمال الساخنة. بالإضافة إلى ذلك استخدموا الحجامة والزيوت بأنواعها لعلاج هذا المرض. أما في العصر الحديث ومع الطب الحديث فنحن الآن نعرف بالضبط ماهية هذا المرض وما هي أسبابه وكيفية طرق علاجه بالطرق الطبية الحديثة. ما هي أسباب عرق النسا؟ في الواقع أن أسباب هذا المرض كما ذكرنا سابقاً هي التهاب أو ضغط على جذور العصب الوركي في منطقة أسفل الظهر في الفقرات القطنية (Lumbar spine) . هذا الالتهاب ينتج عن ضغط على العصب بسبب انزلاق غضروفي في الفقرات القطنية (herniated disc) أو بسبب تضيق في الفتحات التي تخرج منها الأعصاب التي تكوّن هذا العصب الوركي أو بسبب ضيق القناة الشوكية (Spinal stenosis). وتختلف المسببات بحسب سن المريض. ففي فئة الشباب يكون السبب هو انزلاق غضروفي يخرج من بين الفقرات القطنية ليضغط على العصب ويسبب آلاما حادة وشديدة ومبرحة تظهر خلال فترة أيام أو أسابيع وتزداد مع الحركة أو الجلوس أو أي مجهود. أما في فئة كبار السن فعادةً ما تكون الأعراض أقل حدة وتظهر ببطء وعلى مدى سنين وأشهر وتزداد مع الوقوف أو المشي ولكنها تختفي مع الجلوس. وفي جميع الحالات فإن السبب الرئيسي هو ضغط على جذور الأعصاب عند منطقة خروجها من الفقرات القطنية في أسفل الظهر. هذا الضغط يسبب تهيجا وتورما والتهابا في هذه الأعصاب مما يؤدي إلى الأعراض المعروفة لمرض عرق النسا. تتضاعف مع مرور الزمن خلال شهور أو سنوات حتى تصبح مزعجة ومؤلمة جداً ما هي أعراض عرق النسا ؟ الأعراض معروفة لدى الغالبية العظمى من الناس وهي تتكون من آلام تمتد من أسفل الظهر إلى الساق هذه الآلام تزداد مع الحركة ومع المشي وربما أيضاً عند الجلوس. وهي تزداد بشدة عند الانحناء للأمام خلال الركوع مثلاً أو خلال الانحناء لالتقاط الأشياء. كما أن المرضى عادةً ما يشعرون بزيادة في هذه الآلام عند العطس أو عند الإصابة بكحة. وفي كثير من الناس يصف المريض أو المريضة هذه الآلام بأنها مثل سيخ النار أو مثل صاعقة الكهرباء في فخذه وساقه. وفي بعض الحالات قد يكون هناك شعور بالخدر أو التنميل في منطقة الساق وأصابع القدم. وفي حالة إهمال العلاج وفي حالة تطور هذا المرض فإن العضلات التي تغذيها أفرع العصب الوركي تبدأ بالضمور وقد يصيبها شلل جزئي مما يؤدي إلى صعوبة تحريك القدم إلى أسفل أو إلى أعلى (Foot drop) حسب العصب المصاب. أما في الحالات التي يكون فيها الانزلاق الغضروفي شديداً وضخماً وحاداً بحيث يضغط على أكثر من جزء من الأعصاب التي تمر في القنوات العصبية في أسفل الظهر فإن هذا قد يؤدي إلى خلل في وظيفة المثانة البولية أو في وظائف مخارج البراز مما يؤدي إلى احتباس البول وفقدان التحكم في القدرة على التبرز لا سمح الله. وهذه الحالات قليلة ونادرة ولكنها خطيرة. وقد تكون أعراض مرض عرق النسا مفاجئة وشديدة منذ البداية وقد تكون أيضاً بسيطة وتذهب وتعود على فترات ثم تزداد شدتها مع مرور الزمن خلال شهور أو سنوات حتى تصبح مزعجة ومؤلمة جداً بالنسبة للمريض. العوامل التي تؤدي إلى ظهور هذا المرض هناك الكثير من العوامل التي تؤدي إلى ظهور عرق النسا عن طريق الانزلاق الغضروفي أو ضيق القناة الشوكية. ولكن أهم هذه العوامل هي عدم العناية بأسفل الظهر ومنطقة الفقرات القطنية. ولذلك فهذا المرض منتشر في المجتمعات التي تقل فيها اللياقة والتي تزداد فيها أوزان الناس. كما أن الجلوس على الأرض في وضعيات غير صحية لفترات طويلة يزيد من الضغط على الفقرات القطنية وبالتالي يزيد من احتمالات ظهور هذا المرض. وفي بعض الناس قد تكون طبيعة جلوسهم خلال العمل أو طبيعة أعمالهم التي تتطلب مجهود شاقاً والتقاط الأشياء من الأرض أو الانحناء لفترات طويلة من العوامل التي تؤدي إلى ظهور هذا المرض. وفي بعض الناس قد تكون هناك عوامل وراثية أو جينية تؤدي إلى ضعف الحلقة التي تكون الغضروف للفقرات القطنية وبالتالي تؤدي إلى سرعة ظهور الفتق فيها وظهور الانزلاق الغضروفي. وفي كبار السن قد يكون السبب هو خشونة الفقرات التي تؤدي إلى ظهور زوائد عظمية تتكون على مدى سنوات ثم تضغط على الأعصاب مسببةً أعراض عرق النسا. الآلام تزداد مع الحركة والمشي وربما أيضاً عند الجلوس تشخيص المرض عادةً ما يكون التشخيص بعد الاستماع للأعراض التي يصفها المريض والتي تتكون من الأعراض التي ذكرناها سابقاً وبعد ذلك يتم فحص المريض الذي يبين وجود تحدد في حركة الفقرات القطنية وكذلك حركة رفع الساق اليمنى أو اليسرى حسب طبيعة الانزلاق الغضروفي. بالإضافة إلى ذلك فقد يكون هناك نقص في الإحساس في الساق المصابة وكذلك فقدان الانعكاسات العصبية عند مفصل الركبة أو عند مفصل الكاحل. وفي الحالات الشديدة قد يكون هناك شلل جزئي في عضلات الساق. وفي كثير من المرضى الذين يراجعوننا في العيادة تظهر آثار طرق علاجية سابقة مثل آثار الكي أو آثار الحجامة أو آثار وخزات الإبر الصينية. وفي بعض الحالات قد يأتي المريض على كرسي متحرك ولا يستطيع الوقوف أو المشي بسبب شدة الآلام. أما في حالات أخرى فهو يأتي واقفاً ولا يستطيع الجلوس بسبب شدة الآلام ويكون في حال أفضل إذا وقف خلال الفحص والزيارة الطبية. وبعد الفحص السريري يأتي دور الأجهزة التشخيصية والتي أهمها أشعة الرنين المغناطيسي للفقرات القطنية (MRI). فهذه الأشعة هي أفضل وأحدث وأدق طريقة لتشخيص السبب الكامن وراء مرض عرق النسا والذي عادةً ما يكون انزلاقاً غضروفياً أو ضيقاً في القناة الشوكية كما ذكرنا سابقاً. أما الأشعة السينية العادية (X-ray) فهي ليست ذات فائدة في تشخيص هذا المرض لأنها تبين بالوضوح الفقرات القطنية فقط ولا تعطينا أية فكرة عن الغضروف ومدى تآكله ومدى انزلاقه وكذلك لا تعطينا فكرة عن الأعصاب ومدى تأثرها بعكس أشعة الرنين المغناطيسي التي تبين بوضوح مكان الانزلاق الغضروفي وتأثره ومدى تأثر العصب. أما التحاليل المخبرية فهي أيضاً ليست ذات فائدة تذكر في تشخيص هذا المرض وإنما نلجأ إليها عندما نقرر عمل جراحة لإزالة الانزلاق الغضروفي وفي هذه الحالة فهي جزء من عملية إعداد المريض قبل الجراحة. أما في المرضى الذين لا يتحملون أشعة الرنين المغناطيسي المغلقة فهناك جهاز الرنين المغناطيسي المفتوح الذي يؤدي نفس الغرض. قد يكون هناك شعور بالخدر أو التنميل في منطقة الساق وأصابع القدم تزداد بشدة عند الانحناء للأمام