انقضى عهد البريد الإلكتروني وصار من التاريخ، يقول كثر. ولكن ثمة مبالغة في هذا الرأي. فعلى سبيل المثل، لا «يزقزق» الفرنسيون كلهم على «تويتر»، ولم يدخلوا عالمه بعد. والعمر المديد ينتظر البريد الإلكتروني. فمن غيره لا يسع المرء ولوج مواقع التواصل الاجتماعي. وهو، إلى اليوم، أنجع وسائل الوقوف على خلاصات التواصل ونتائجه. وعلى رغم أن صفحة البريد الإلكتروني لم تطوَ بعد وأنه لم يودَع على الرف شأن «أسلافه» من وسائل الاتصال «الآفلة» مثل الفاكس والهاتف الثابت والرسائل الورقية، ثمة انعطاف يتبلور على وقع تعاظم إقبال مستخدمي البريد الإلكتروني على وسائل الاتصال الاجتماعي وشبكاته لأداء مهمات احتكرها هذا البريد إلى وقت قريب. فاليوم، من اليسير توجيه رسالة قصيرة على فايسبوك من غير الاضطرار إلى كتابة رسالة إلكترونية. ولا شك في أن بروز تكنولوجيا جديدة هو وراء تغير استعمالات البريد الإلكتروني ووسائل الاتصال الإلكتروني. ولا يخفى أن هذا البريد هو تقنية قديمة تعود إلى الثمانينات. فبين 1990 و1995، دخل البريد الإلكتروني عالم الأعمال والمكاتب. وفي 1995، حطت أجهزة الكمبيوتر الرحال في المنازل ووُصلت بالشبكة الإلكترونية. وتلك الأعوام تعرف بعهد الويب 1.0 الذي كان جسر الناس إلى الاطلاع على المعلومات «على الخط» (أونلاين)، وتبادل الرسائل الإلكترونية. وفي 2008، بدأت مرحلة جديدة مع انتشار الأجهزة الملساء الأسطح والتي تتلقى أوامر المستخدم بواسطة اللمس كأنها امتداد لجسمه. وهي مرحلة المشاركة بامتياز وأجهزتها معدة لتشارك المعلومات. بعدها برزت الهواتف الذكية والألواح الإلكترونية، وصار في مقدور الواحد منا مشاركة صورة بلمسة عبر تطبيقات مثل أنستاغرام. لذا، بدأ استخدام الرسائل الإلكترونية يتضاءل وينحسر. ويرى كثر أن وتيرة الانتقال إلى مرحلة ما بعد البريد الإلكتروني سريعة. ومثل الانتقال السريع هذا هو رهن شرطين: أولهما يسر استخدام الجهاز. فالناس لا يُقبلون على الأجهزة المعقدة، ويستسيغون تلك التي يفهمون كيفية عملها من غير عناء. وثانيهما هو «خفة وجود» التكنولوجيا التي تقتضي أن تحاكي وسائل الاتصال الجديد الدردشة في الحياة الفعلية، فلا يشعر المرء بأنه يوسّط بينه وبين محادثه آلة ثقيلة ومعقدة، ويسعه «وكز» الصديق، والإعجاب بما يقول والتعبير عن الفرح أو الحزن أو الغضب بواسطة «إيموتيكونس»، أي وجوه مرسومة تختزل علامات مشاعر الشخص. كفة وسائل التواصل الاجتماعي اليسيرة الاستخدام هي الغالبة في أوساط الناس، لكن استخدامها في دورة عمل الشركات ليس مسألة بسيطة. وإلى اليوم، يغلب الطابع التقني- التكنوقراطي على شبكات التواصل المهنية. واستخدامها معقدٌ وليس يسيراً. فشطر راجح من الموظفين لا يجيد توسلها. ولكن، على خلاف الشركات التقليدية، تميل شركات تكنولوجيا الابتكار إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة المعلومات والأفكار والصور مع الزملاء فوراً. وتنظر الشركات بعين الحذر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وترى أن أثر استخدامها بالغ في بنية الإدارة، وهي تفترض إرساء تعاون أفقي بين المديرين والموظفين. * مسؤولة الشبكات الاجتماعية في معهد «مين– تيليكوم» الفرنسي، عن «لو موند» الفرنسية، 16/4/2013، إعداد منال نحاس عن jayesh.profitfromprices.com