سألني أحد المتابعين للشأن المصري، وهو مغرم بالقوانين: يجب أن نغيِّر تسمية ما يجري في مصر من «الربيع الثوري المصري» إلى ربيع المحامين ورجال القانون! وأضاف: هل فهمتَ شيئاً مما يدور من خلاف بين المصريين بخاصة في الموضوعات الآتية: المحكمة العليا، والمحكمة الدستورية، والنيابة العامة، والإعلان الدستوري، والمحاكم بأنواعها، ونقابة المحامين، ومحامي الدفاع، والقضاة، وإقالة النائب العام، والطعون في القرارات الرئاسية، واستدعاءات النيابة العامة، والمحكمة العسكرية. كنتُ أحسبني قانونياً، فقد درستها وحفظتُ بعضها، لكنني اليوم لا أفهم تفصيلات ما يجري على الساحة المصرية، حتى أن بعض الخبراء في القوانين من نجوم الفضائيات يزيدني جهلاً عندما أستمع إلى تحليلاته القانونية... فهل أنت مثلي؟ وهل أصبحت حرفة القانونيين حرفة سياسية على مقياس جديد يتخطى مربع منطق أرسطو، يُحاكي الفلاسفة السفسطائيين؟! فقد ظهر في عالم القضاء نظام الصفقات القضائية، بين المحامين والقضاة، منعاً للاشتباكات التي لا تنتهي بينهم، فكل قضية اليوم بلا صفقة، تظل معلقة إلى أبد الآبدين بسبب الطعونات والاستئنافات وغيرها. قررتُ أن أُفرّج عنه كربته، فلجأت إلى المعجم العربي لأستخرج معنى كلمة «محام»، لأن في معاني الكلمات فوائدَ جمَّة، قد تهدئ من غضبته وقلت: إذا فتحنا القاموس العربي على كلمة «محام» سنجد المعاني الآتية: حَمَى الضعيف والمظلوم، أي نصره. أما الحِمْيَةُ فهي طعام المريض الذي يصفه الطبيب لغرض الشفاء. أما الحَمِيَّةُ فهي نجدة الوطن من الأعداء. وكذلك فإن الحُماةَ هم جيشُ الوطن. والمعاني العكسية من كلمة حمى هي: حمي الوطيس، فقد اشتدت الحرب وكثر القتلى والجرحى. أما الحِمية كذلك فهي الغضب. كما أن الحُمَّةَ هي كل ما يلسع ويلدغ من إبرة النحلة حتى زبانة العقرب. ونسيتُ أن أقول لك بأن مرض الحُمَّى يعود إلى الاشتقاق نفسه. عافاك الله وشفاك. أما الحمأ فهو الطين الأسود ذو الرائحة النتنة. كما ورد في القرآن الكريم إشارة إلى أن الحمأ هو نطفة الإنسان الأولى: «وقد خلقنا الإنسان من حمأ مسنون». ما أزال أذكر كتاباً قرأته قبل سنوات لمحامٍ بارز، وهو في الوقت نفسه رجل دين مسيحي عاش في القرن السادس عشر الميلادي، وألف أروع الكتب التي لا تزال خالدة حتى اليوم، وهو «كتاب اليوتوبيا» للمحامي توماس مور في عهد الملك هنري الثامن، وقد دفع حياته ثمناً لإصراره على تطبيق القانون، فقطع هنري الثامن رأسه وعلقه على مدخل لندن، لأنه رفض التصديق على رغبات الملك غير القانونية. في هذا الكتاب نصٌّ صريح ضد مهنة المحاماة، فهو يوصي رواد مدينته الفاضلة «اليوتوبيا» بنفي المحامين خارج المدينة حتى يعيش الناس في المدينة الفاضلة بأمن وسلام.