يبدو السؤال عما إذا كانت الإنترنت على وشك الانهيار والتشظي، حاضراً بقوة حالياً. ذلك لأن الدعوات تتواصل لتغيير واقع إدارة الشبكة بحيث تتمثل فيها جميع الأطراف، فيما تسعى قوى ومجموعات إقليمية، كالصين وأوروبا، إلى إنشاء شبكاتها الخاصة، وتطمح قوى أخرى، مثل روسيا والهند والبرازيل، إلى دور محوري في إدارة الإنترنت. ومثلت العاصفة التي أحدثها إدوارد سنودن (متعاقد مع وكالة الأمن القومي الأميركية) بكشفه عن تجسس الوكالة على شبكة الإنترنت، نقطة تحول في وتيرة الانتقادات الموجهة للولايات المتحدة، من جانب عدد من الدول والأطراف ذات المصلحة، ومنها الأممالمتحدة التي طالبت بسرعة الاتفاق على إدارة دولية للإنترنت، وتعزيز النفاذ إليها وضمان أمنها واستقرارها وتنميتها. وللتخفيف من حدة هذه الانتقادات أعلنت واشنطن في آذار (مارس) 2014، تخليها عن دور الإشراف على الإنترنت، بداية من العام المقبل، عبر التخلي عن دورها في الإشراف على توزيع أسماء نطاقات الإنترنت، عبر منظمة «آيكان» (ICANN)، مقترحة إسناد المهمة إلى هيئة دولية. وبمجرد إعلان الولاياتالمتحدة نيتها التخلي عن هذا الدور، بدأ الصراع في شأن الجهة التي ستتحكم في إدارة الإنترنت مستقبلاً، فبعض الدول كالصين وروسيا وتركيا وغيرها، تسعى إلى الفوز بتنظيم إدارة الإنترنت على المستوى المحلي، أو الإقليمي، على رغم سجلها السيئ في الرقابة على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام. وتذرع عدد من المشرعين الأميركيين بميل دول كثيرة إلى تشديد الرقابة على الإنترنت، للتقدم بمشروع قانون لإعاقة انسحاب الولاياتالمتحدة من دورها المركزي في الإشراف على الشبكة. وقال أحد مقدمي اقتراح القانون، جون شيمكوس، وفق وكالة «فرانس برس»، إنه «خلال آذار رأينا روسيا تمنع نشر مواقع إلكترونية للمعارضة، وتركيا تحجب موقع تويتر، والصين تضع قيوداً جديدة على تبادل الفيديو عبر شبكة الإنترنت». وأضاف: «ثمة حكومات استبدادية حقاً في عالم اليوم، وليس لديها أي تسامح إزاء التبادل الحر للمعلومات والأفكار». مفهوم الحوكمة ولم يكن طرح أزمة إدارة الإنترنت وليد فضيحة التجسس الأميركي عليها، إذ إن عدداً من الدول والمؤسسات وحتى الأممالمتحدة، يطالب أميركا منذ أكثر من 16 عاماً بالتخلي عن سيطرتها الكاملة على إدارة الإنترنت، من خلال هيئة «آيكان». وتتحكم الولاياتالمتحدة بالإنترنت عبر ما يعرف بالخوادم الجذرية (Root Servers) التي يمر عبرها كل مستخدم للإنترنت ليصل إلى أي موقع، في أي مكان في العالم. وينتشر حول العالم 13 خادماً جذرياً (10 خوادم منها في الولاياتالمتحدة، تدير معظمها وكالات حكومية ومؤسسات علمية، و3 في مناطق أخرى في العالم. وتتيح هيمنة الولاياتالمتحدة، ممثلة بوزارة التجارة، على إدارة الإنترنت، إجراء تغييرات أحادية على أسماء النطاقات، إضافة إلى مقدراتها التكنولوجية العالية في التجسس على كل ما يدور في الشبكة، وهو ما سبب قلقاً للكثير من الحكومات الأخرى. ويطاول مفهوم حوكمة الإنترنت عدداً من النظم الخاصة بشبكة الإنترنت: نظام تحديد العناوين الرقمية للمستخدمين، نظام تحديد أسماء المواقع، نظام بروتوكولات الاتصال، نظام الخوادم الجذرية. وإدارة وتشغيل وتطوير وصيانة هذه النظم الأربعة هي تحديداً المقصودة بقضية إدارة الإنترنت، أو ما يُعرف بحوكمة الإنترنت. لكن مفهوم الحوكمة ليس متفقاً عليه تماماً حتى الآن. فالمختصون في مجال الاتصالات ينظرون إليه بمنظار تطوير البنية التحتية، في حين يركز المختصون في مجال أجهزة الحواسيب على تطوير المقاييس والتطبيقات، بينما يرى الناشطون المعنيون بحقوق الإنسان أنه يجسد حرية التعبير وضمان الخصوصية.