بعيداً من اصطفافات 8 و14 آذار، وبعيداً من المنطق الطائفي والمحاصصات بين المذاهب اللبنانية، انبثق «تحالف المرشحين الجدد» كأول تحالف انتخابي سياسي يضم أكثر من خمسين مرشحاً مستقلاً قرروا خوض الانتخابات النيابية المقبلة من دون الدخول في أي من لوائح الزعامات التقليدية وائتلافات الأحزاب الطائفية. إنه تحالف يكتنز الكثير من الطاقات الشابة والكفاءات العالية، ويتكلم بلغة مختلفة عن الخطابات السياسية التقليدية التي اعتاد اللبنانيون على سماعها، فهو يرفع شعار التحرر من منطق الانقسامات المذهبية والارتهانات الإقليمية. وعلى رغم أن عمر التحالف ليس أكثر من ثلاثة أسابيع، فهو استطاع جذب الرأي العام اللبناني إلى الأفكار التي يطرحها، وتتوارد الاتصالات يومياً إلى منسقي التحالف من قبل شباب لبنانيين يُبدون اهتماماً كبيراً بالترشح للانتخابات النيابية تحت عباءة التحالف المستقل. تحدٍّ لحال الإحباط السياسي كل موقف أعلنه «تحالف المرشحين الجدد» في مؤتمره التأسيسي نال استحسان الشباب الحاضرين، الذين انتظروا طويلاً مثل هذه اللحظة لكي تكون لهم الفرصة للترشح أو لانتخاب قوى سياسية مختلفة عن الجهات الموجودة على الساحة اللبنانية اليوم. وأكد الخبير الإعلامي حكمت البعيني، وهو مرشح ضمن التحالف، أن هذا الحدث يثبت أن «جيل الشباب الصاعد لن يقبل بعد اليوم إلا بممارسة حقه الكامل والطبيعي بالترشح للمناصب الرسمية والانخراط في العمل السياسي والتشريعي بعيداً كل البعد من منطق الوراثة السياسية والارتهانات المالية». كما لفت إلى أن التحالف هو تحدٍّ كبير لحال الإحباط السياسي التي يعاني منها المواطن اللبناني، وللمنطق الذي يجزم بأن التغيير مستحيل في لبنان، وأن أحداً لم ولن يتمكن من تغيير قواعد اللعبة السياسية في هذا الوطن. أما وصف الشباب المرشحين بالمستقلين، فذلك لا يعني أنهم حياديون أو وسطيون، كما يوضح البعيني، إنما هم مستقلون «عن كل حزب طائفي أو زعيم إقطاعي وكل من يتمسك بالنظام الطائفي». ويسجل التحالف اعتراضاً واضحاً على عمليات التمديد وتعليق المهل القانونية والدستورية التي تحصل في لبنان اليوم، بلسان المحامية والمرشحة نادين موسى. فالتحالف يعتبر أن «هناك تلاعباً بالحقوق القانونية والدستورية من قبل مجلس النواب وزعماء الطوائف، وهذا انقلاب على النظام الديموقراطي في البلاد بهدف تحويل مجلس النواب من سلطة التشريع للمصلحة العامة إلى سلطة يستفيدون منها للمصالح الشخصية». ومن ناحية قانون الانتخاب، شددت موسى على أن التحالف سيخوض الانتخابات مهما كان القانون الانتخابي المعتمد، على رغم أن المطالبة الرئيسية تتركز حول القانون النسبي الخارج عن القيد الطائفي الذي يؤمن حق الاقتراع للمغتربين مع تخفيض سن الاقتراع إلى ال18 عاماً. التساؤل الرئيس الذي يُطرَح حول مثل هذا التحالف هو إمكان استمراره، خصوصاً من ناحية القصور المادي، بما أن هناك أكثر من 50 شخصاً أعلنوا ترشحهم تحت عباءته. لكن الإعلامية والناشطة الاجتماعية رندا يسير، التي أعلنت ترشحها أيضاً، تؤكد أن التحالف يرفض رفضاً قاطعاً تمويل الحملات الانتخابية بأموال غير لبنانية للوصول الى المجلس النيابي أو اللجوء إلى السفارات والحكومات العربية والأجنبية لضمان الاستمرار. إلا أن يسير تلفت إلى قبول التحالف التبرعات من قبل المواطنين اللبنانيين، كما طالب العديد من المشاركين في المؤتمر التأسيسي بأن تُقبل تبرعات المغتربين اللبنانيين الباحثين هم أيضاً عن طرف سياسي يستحق الدعم في لبنان. دعوة مفتوحة لا يقتصر «تحالف المرشحين الجدد» على عدد معين من الأشخاص النخبويين، ولا يعتمد أي لوائح مقفلة وفق نمط الأحزاب السياسية، إنما الدعوة مفتوحة للانضمام «لكل الناس الذين يشعرون بالإحباط والاشمئزاز وفقدوا الأمل بأي تغيير» كما يقول المرشح ومدير عام شركة «بيوند» للاستشارات والتدريب جيلبر ضومط. وهو يضيف أن التحالف يشدد على ضرورة الترشح في كل الدوائر الانتخابية ودعم المرشحين والمرشحات بعضهم لبعض لكسر الاحتكار السياسي للعديد من المقاعد التقليدية. وفي حديث الى «الحياة» يقول ضومط حول القضايا الجدلية في لبنان مثل سلاح «حزب الله» وغيره، إن التحالف قد شكل لجاناً متخصصة لدراسة كل قضية على حدة، وهو سيسعى إلى توحيد الرؤى بين المرشحين وبلورة استراتيجيات مشتركة لمواجهة القضايا المصيرية مع الحفاظ على تنوع الآراء. والآن بعد أن أصبح التحالف واقعاً ملموساً، يبقى للمرشحين أن يبرهنوا عن حقيقة إمكاناتهم لإنجاح هذا المشروع، ويختبروا مدى قدرتهم على مواجهة الطبقة السياسية الحاكمة التي ما زالت حتى الآن تجذب أكبر قاعدة شعبية من المؤيدين على رغم كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان.